IMLebanon

المجرم من المنظور النفسي

كتب أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

 

لا يمر أسبوع إلّا ويشهد العالم أجمَع جرائم قتل: قتل سياسي، قتل متعمّد، قتل جنسي، قتل ضمن العائلة الواحدة… ودائماً نتساءل: ما الذي يدور في رأس المجرم لكي يُقدم على القتل؟ هل يكون واعياً كفاية؟ هل يكون مدركاً فعله؟ ما هو التفسير الدقيق للجريمة؟ وكيف يمكن أن نفسّر التقسيم النفسي للمجرم بحسب التحليل النفسي؟ هل حقاً المجتمع هو المسؤول عن ظهور الجريمة بين مختلف أفراده؟ وهل المجرم ضحية سلوك غير ناضج، أو ضحية المجتمع، أو ضحية التربية؟

بشكل عام، الجريمة هي انحراف عدواني من شخص أو أشخاص تجاه شخص أو أشخاص. كما يمكن اعتبارها بشكل عام عدم احترام القوانين الإجتماعية التي يحترمها كل إنسان وينشأ عليها ويطبّقها خلال حياته. من الناحية القانونية، الجريمة هي «عمل غير مشروع ناتج عن إرادة جنائية». أما على الصعيد الإجتماعي والنفسي، فهي عمل «يخترق الأسس الأخلاقية» للمجموعة التي ينتمي إليها المجرم الذي قام بفِعل مؤذ، ويحكم عليه القانون.

العوامل

هناك كثير من العوامل التي تؤثر على الشخص وتجعل علاقته مع مجتمعه ضعيفة جداً، فلا يشعر بالإنتماء إلى مجتمعه وإلى عائلته… وبالتالي، يظهر الإضطراب النفسي في تصرفاته ويشوّه أيضاً صورة عائلته ومجتمعه. ولكن هناك عوامل أساسية في اضطراب الشخص، منها:

– البيئة المُتزعزعة: خلال فترة الطفولة يتم التكوين النفسي عند الإنسان، وعادة تكون البيئة مطابقة للتكوين النفسي عنده. فإذا كانت البيئة التي ينتمي إليها الشخص صحية و»نظيفة»، فإنّ تكوينه النفسي يكون مُتزناً، والعكس صحيح. ولكن لا يمكننا أن نعمّم تلك الفكرة، إذ تظهر في بعض الأحيان شخصيات مميزة وخلوقة من بيئات قاسية. طبعاً، إنّ الطباع والوعي النفسي والنضج الفكري والأصدقاء… كل ذلك يؤدي دوراً أساسياً في هذا التوازن النفسي.

– الإضطراب في النمو العاطفي عند الإنسان: خاصة خلال مرحلة المراهقة، فقسوة الحياة التي يمكن أن يشعر بها الطفل خلال يومياته، تصبح «حاجة» للشعور بالأنا (أو بالذات). لاحقاً، تنتقل هذه القسوة من مشاعره الداخلية إلى التطبيق ضمن يومياته. وهنا العلاقة الظاهرة ما بين اضطرابات النمو العاطفي (قسوة الحياة التي تولّد هذا الإضطراب) وظهور السلوك الإجرامي.

– طفولة منكوبة ومُهمَلة: كل طفل بحاجة للحب والحنان والعاطفة والإهتمام لكي يشعر بالقوة والإنتماء للعائلة. ولكن الأطفال الذين عاشوا طفولة بائسة وحزينة وفيها الكثير من الحرمان على جميع الأصعدة وحجز الحرية والتعبير عن الذات… يخلق عندهم شعور بالإنسلاخ عن الواقع (وهذا الشعور ليس ذهانياً)، وبالتالي لا يشعر هذا الشخص بأي مشاعر تجاه الآخرين لأنّ «فاقِد الشيء (الحب، العاطفة، الإهتمام…) لا يعطيه، فعندما يقتل، لن يشعر أبداً بالندم.

– الأنا الأعلى غير «مكتملة»: من أهم المراحل التي يجب أن يمر بها كل شخص، هي مرحلة «أوديب» التي تنتهي من خلال تكوين «الأنا الأعلى» عنده. ومهمة الأنا الأعلى هي منع الشخص من ارتكاب الخطأ. فتشكّل «الأنا الأعلى» ضمير الإنسان والقوانين والأعراف التي يجب احترامها وتطبيقها. ولكن عند الشخص المجرم، المعادلة تختلف، إذ بحسب التحليل النفسي، الأنا الأعلى لم تتكوّن بسبب مشكلة في مرحلة «أوديب».

كما هناك أسباب أخرى، مثل الشعور الدائم بالدونية خلال الطفولة وما بعد الطفولة، الشعور الدائم بالنقص تجاه أقرانه، القلق المسيطر على الشخص طول الوقت مع أسباب ذهانية أو شخصية ضد-اجتماعية، هوس القتل…

هل المجتمع مسؤول عن الإنحراف الإجرامي عند الشخص؟

طبعاً لا، فالكثير من الأشخاص يعيشون المآسي في حياتهم، طفولة معدومة وعلاقات معدومة مع الاب والأم مع بيئة غير متّزنة… ولا يصبحون مجرمين. هناك أسباب نفسية كامنة هي التي تدفع الشخص للإجرام مع أسباب اجتماعية وغياب النضج الفكري أوالعاطفي أو العلائقي. وبالتالي، لا يمكن أن نعتبر أنّ الإجرام يتداول من خلال الوراثة بشكل مطلق، كما لا يمكن أن نعتبر أنّ الإجرام يتم تَعلّمه من خلال التربية، لأنّ في بعض المافيات العالمية يكون أحد أفراد الأسرة، بالرغم من تلقّيه التربية نفسها، بعيداً كل البعد عن الافكار الإجرامية والسلوكيات العدوانية.

 

أما إذا كان المجرم ضحية سلوكية أو اجتماعية أو تربوية، فلا يمكننا أن نجزم السبب المباشر لسلوكيات الإجرام، بالرغم من أنّ هناك نقاطاً مشتركة بين مختلف الأشخاص الذين ارتكبوا أفعالاً مضادة للقانون، ومنها: غياب الأب (معنوياً وليس بالضرورة جسدياً) أو العدوانية المفرطة من الأهل تجاه الطفل: العدوانية الجسدية واللفظية خلال مختلف مراحل نمو الطفل، الشعور الدائم بالضعف وبعدم القدرة على إثبات الذات… وفي الختام، لا أسباب واضحة تجعل من الشخص مجرماً، ولكن تقسيمه النفسي وتربيته وغيرهما من الأسباب يمكن أن تكون وراء العمل الإجرامي.