IMLebanon

لماذا تقاطعَ عون و»14 آذار» على رفض التشريع؟

بدأت ارتدادات الشغور الرئاسي تنعكس على المؤسسات الدستورية. فقيادات مسيحيّي «14 و8 آذار»، التي عجزت عن التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، توحّدت أمس على مقاطعة التشريع ودفع المجلس النيابي إلى التزام انتخاب رئيس جديد قبل الشروع في أيّ عملٍ آخر، على اعتبار أنّ «شغور موقع الرئاسة يعني غياب الميثاقية ويجعل شرعية أيّ سلطة منتقصة». واللافت أنّ تيار «المستقبل» لاقى هذا الإجماع المسيحي، فوُلدت جلسة إقرار سلسلة الرتب والرواتب مَيتة.

إتّجهت القيادات المسيحية أمس نحو ربط التشريع بمقياس الضرورة، وبمعيارَي «إعادة تكوين السلطة والمؤسسات ومصلحة الدولة العليا». إلّا أنّ التباينات حول السلسلة لم تؤدِّ إلى أيّ اتفاق لإقرارها، ودفعت كلّاً من فريق «14 آذار» وتكتّل «التغيير والإصلاح» إلى مقاطعة الجلسة في ظلّ الشغور الرئاسي، فيما اعتبرَ «حزب الله» وحركة «أمل» أنّ الشغور لا يمكن أن يعطل الحياة السياسية، مطالبين بإقرار السلسلة، وهو ما اعتبرَته مصادر نيابية مُطّلعة «مزايدةً لا ترتقي إلى مستوى المسؤولية، خصوصاً أنّ كلّ زيادة ماليّة غير مغطّاة بالكامل لن تؤدّي إلّا إلى مزيد من التدهور في الوضع المالي».

وعلى الاثر، أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه برّي الجلسة الى العاشر من حزيران المقبل، أي اليوم الثاني الذي يلي الموعد السادس لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، بعدما اقتصر الحضور على رئيس الحكومة تمّام سلام ونواب كتلة «التنمية والتحرير»، وكتلة «الوفاء للمقاومة»، وكتلة «لبنان الحر الموحّد»، و»الحزب القومي السوري الإجتماعي»، و»اللقاء الديموقراطي»، الذين أجمعوا على أنّ «عدم إقرار السلسلة سيؤدّي إلى مشاكل كثيرة»، معتبرين أنّ «المجلس هو المكان الصالح للحوار والتفاهم على كلّ الملفات، ومنها رئاسة الجمهورية».

وفي وقت تعتبر القيادات المسيحية أنّ «التشريع في ظلّ شغور موقع رئاسة الجمهورية أمر غير جائز إطلاقاً»، فاجأ توافق القيادات غير المعهود تجاه مسألة حسّاسة تتعلّق بالاستقرار الاجتماعي، كثيرين سعوا إلى التأويل وتحليل خلفيّة هذه المقاطعة، غير مقتنعين بالأسباب المُعلَنة.

وكان لموقف عون وتكتّله من حضور الجلسة التشريعية الحصّة الأكبر من التأويلات، إذ اعتبر المراقبون أنّ «للجنرال مصلحة مزدوجة من موقفه هذا تخدمه على مستوى انتخابات الرئاسة وعلى مستوى الشارع المسيحي»، لافتين إلى أنّ «عون يساير الرئيس سعد الحريري وتيّاره في هذا الموقف، وذلك انطلاقاً من حرصه على استمرارية التفاوض مع أكبر زعيم في الطائفة السنّية لكسبِ تأييد ترشيحه للرئاسة، فضلاً عن أنّ موقفه يشكّل نوعاً من المغازلة للشارع المسيحي عموما».

إلّا أنّ عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون نفى لـ»الجمهورية»، كلّ «هذه الادّعاءات غير المنطقية»، على حَدّ تعبيره، معتبراً أنّه «من الحريّ القول إنّ تيّار «المستقبل» هو الذي يساير المسيحيّين، وأوّلهم حلفاءَه، في موقفه هذا المعارض للتشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي». وشدَّد على أنّ « موقف الجنرال كان واضحاً عندما لفتَ إلى أنّ «شغور موقع الرئاسة يعني غياب الميثاقية ويجعل من شرعية أيّ سلطة منتقصة، إلّا في حال مصلحة الدول العليا أو إعادة تكوين السلطة»، مضيفاً: «لو توصّلنا إلى إجماع على إقرار السلسلة، لما كُنّا تردّدنا في المشاركة لإقرارها».

قوى «14 آذار» رحّبت بموقف عون، على الرغم من أنّ هذا التلاقي لا يمكن أن يخدم مصلحتها الرئاسية، والعكس صحيح، غير أنّه يساعد في خلق مناخ مسيحي عام، وهو ما أكّده عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا لـ»الجمهورية»، موضحاً أنّ «توافق جميع القيادات المسيحية على أهمّية وجود رئيس الجمهورية في كلّ المحطات السياسية، يعزّز موقع الرئاسة الأولى وحضور المسيحيين في الدولة».

أمّا موقف «المستقبل» من المقاطعة، فعزاه المراقبون إلى سعي التيار إلى «دغدغة» حلفائه وملاقاتهم تحت عنوان «التضامن مع الشارع المسيحي». وقال النائب عمّار حوري لـ«الجمهورية»، «إنّنا شدّدنا في البيان الذي تلاه الزميل جورج عدوان إثر الجلسة على عبارة «لا يجوز»، لتأكيد استحالة التشريع في ظلّ شغور موقع الرئاسة إلّا في حالات الضرورة القصوى والاستثنائية، ومنها الحفاظ على حقوق الناس والاستقرار الاجتماعي»، مؤكّداً أنّ «حضور الجلسة لمتابعة المشاورات فقط أمرٌ لا يجدي، وبالتالي نلتزم إقرار السلسلة، ولكن بعد إنجاز الصيغة المناسبة. وقرار المشاركة بأيّ جلسة يُتّخذ بعد التشاور داخل «14 آذار».

وفي المحصّلة، يبقى السؤال: هل ستستمرّ المقاطعة أم أنّ قضايا طارئة ستفكّ أسرَ الجلسة التشريعية وتُحرّر السلسلة؟ وهل سينسحب هذا الاتفاق بين قوى «14 آذار» وعون على الاستحقاق الرئاسي؟