IMLebanon

عن لقاء «الحكيم» والجنرال… «يا ريتُن عِملوها عيدِيّة»

 

«ألله قوّات»، وعون مع «حزبه»، لكنّ الله عجز عن إحداث أعجوبةٍ وجمعِهما باسمِه، فيما الملفّات تتكدّس والأحقاد يتوارثها القوّاتيون والعَونيّون من جيلٍ إلى جيل.

صحيح أنّ ثلاثين عاماً من التقاتل والحروب العبثية والأحقاد الدفينة لا تُنسَى بسهولة، ولكنّ الأصحَّ أنّ خمسين عاماً من القطيعة بين اثنين من أكبر البلدان انتهَت بعدما أيقنَا أنّ لكلّ شيء في الحياة نهاية. فتصالحَت الولايات المتحدة الأميركية مع كوبا بسِحر ساحر.

لا عداوات في السياسة بل مصالح دائمة، عبارة شهيرة لطالما ردَّدها اللبنانيون، وحتى المحازبون يدركونها في قرارة أنفسِهم، ويُردّدونها في مجالسهم وسهراتهم وقُراهم، والجميع يتمنّى نهاية النزاع «العوني – القواتي»، والجميع يُريد من الطرف الآخر أن يبدأ، ولكن لا أحد يبدأ من نفسِه.

ربّما لأنّ حروبَهما كانت قاسية ودموية إلّا أنّها قسَت أكثر في قلوب أبنائهما، مع أنّهم لم يعايشوها، فيما يتساءل اللبنانيون: هل من نهاية لهذه الحرب التي طالت، أمَا آنَ لهذا الحقد الدفين أن يُدفَن؟ فالشباب «خِلصِت»، «فِضي البلد،» «خِلِص البلد» على حدّ قولِهم و… حَلّا!

كيف يستعدّ الشارعان القوّاتي والعوني للّقاء القريب بين الحكيم والجنرال؟

السيّدة فيكتوريا، من المطيلب، وهي قوّاتية متعصّبة، تقول إنّها تُحبّذ هذا اللقاء، إذ يكفي المسيحيّين تقاتل، فيجب أن يكون هناك نهاية لكلّ شيء و»حَلّها»! وترى أنّه آنَ الأوان لوقف لغة الثأر، وأن يتعالى الشباب المسيحيون عن أحقادهم، مضيفةً: «خِلصوا الشباب، لم يعُد هناك شباب في البلد»، وخلِص البلد أيضاً، خصوصاً الشباب المسيحي».

وتساءلت فيكتوريا بغضَب: «ألا يكفي أنّهم لا يُنجِبون كثيراً وعيالُهم صغيرة»، متحسّرةً من الاحصاءات الأخيرة التي تشير إلى أنّ العوائل المسيحية تتألف في غالبيتها من ثلاثة أفراد أو أربعة على الأكثر، وهذه خطيئة ترتكبُها العائلة المسيحية، بعدما كانت وصيّة المسيح المعلّم: تكاثَروا واملأوا الأرض.

وتكشف فيكتوريا أنّها ستساهم على طريقتها من خلال امتناعها عن كتابة ما يسيء إلى العونيين عبر صفحة التواصل الاجتماعي، وأنّها من الآن وصاعداً سوف «تفكّر مرّتين» قبل أن تكتب، آملةً أن يبادلها العونيّون بالمِثل، متمنيةً على «القائدَين الطلبَ من أنصارهما وقفَ التراشق الإعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي لتهدأ النفوس وتبدأ تدريجاً تصفية القلوب».

«صوابية خيار الجنرال»

السيّدة لوران من منطقة الحدَث، «عونيّة للعَضم»، وفق تعبيرِها. تقول إنّها من الأساس ضد الحروب، وإنّ مواقع التواصل الحديثة كان لها الدور الكبير في إذكاء روح النقمة والحِقد بين العونيّين والقوّاتيين، التي تأمل أن تخفّ بعد اجتماع العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع.

وتوصي الزعيمَين بمناشدة محازبيهما اتباع لغة جديدة للتواصل، مؤكّدةً أنّ الشارع سيتأثّر إيجاباً نتيجة هذا اللقاء، مبديةً ثقتَها بالجنرال وبأنّه سيوصِل البلاد إلى شاطئ الأمان. فهي تؤمن بصوابية خيارِه لقاء الحكيم، «فلو لم يجد أنّ في ذلك مصلحةً للبلد لما فعَلها».

وعن اللقاء المرتقب، يقول كميل (من الزَلقا) وهو قوّاتيّ ووالد لصبيَّين، إنّ «الشباب في القلب لكنّنا لا نريد تمضية العمر نفكّر في أمواتنا»، مضيفاً: «يجب التفكير في أولادنا الباقين، وفي مستقبلهم، فهم يستحقّون أن نمنحَهم يومَي سلام، وخصوصاً أنّنا مسيحيّون».

مسيرة تضامنية

أمّا جو (من المنصورية)، فيقول إنّه متعطّش لرؤية القائدين المسيحيَّين الأقويَين على الساحة المسيحية مجتمعَين، وهو ينتظر بفارغ الصبر هذا اللقاء. وحماسة جو دفعَته للاتفاق مع رفاقه في الجامعة على تنظيم مسيرة شبابية من الطرَفين تكون تضامنية يوم اللقاء الموعود.

يقول جو إنّ طوني، أعزّ صديق له، عوني، وهما دائماً يتبارزان، لكنّ خلافَهما السياسي لم يصل مرّةً إلى حدّ القطيعة بينهما. ويغمز بطرَف عينه، قائلاً: إلّا أنّ إمّ طوني «الله ينَجّينا!» ألله في السماء والجنرال على الأرض». ويضحك قائلاً: «أحبّ الذهابَ دائماً إلى منزل صديقي لاستفزازها. وأتشوّق يوم اللقاء المرتقَب لزيارتها والاستمتاع بردّة فعلها.

ويكشفُ جو أنّه علمَ من صديقه أنّ الأمر لم يعجبها في البداية، إلّا أنّها استكانت بعدما نبَّهها ابنُها إلى أنّ اللقاء سيوصِل العماد عون إلى سدّة الرئاسة! فانفرجَت أساريرُها.

«حبيبتي عونيّة»

وليد من الكورة، يقول إنّه «وِعي عَ الدني وهوّي «قوّات»، وأهله وأقاربه جميعاً «قوّات»، وهو سيبقى «قوّاتياً» من دون أن يدري لماذا. فحُبّه لسمير جعجع كحُبّه للإله».

ويلفت إلى أنّه كما نشأ على ضرورة حضور قدّاس الأحد، فإنّه نشأ على ضرورة أن يكون قوّاتياً، وضرورة التزام مبادئ بشير الجميّل من أجل الحفاظ على الـ 10452 كلم2. إلّا أنّ مصيبته كبيرة لأنّه مغرَم بفتاة عونيّة، حسب تعبيره، وهما يتقاتلان دوماً من أجل السبب المعروف.

وأكثر ما يُسعد وليد في لقاء الحكيم والجنرال أنّه سيحتفل بالأمر مع حبيبته لارا، في أحد الملاهي، ويشربان نخبَ الصلحة. ويضيف ضاحكاً: «على أمل أن تكون صلحة أبدية لتبقى مسيرتي في الحياة مع حبيبتي أبَديّة».

«أحارب في عملي»

«سايد»، من جبيل، يأمل خيراً من هذا اللقاء، متمنّياً أن يستفيد منه الشباب المسيحيون، فتتحسّن أوضاعهم وتُتاح لهم فرص عمل أفضل. ويأسف لأنه وبسبب ولائه الى أحد منهم، رافضاً تحديدَه، يُحارَب في مكان عملِه، قائلاً: «لن أترقّى لأنّني لستُ…».

ويرى أنّه لو كان ينتمي إلى الفريق الثاني لَساعدَه الحظ أكثر، متمنّياً من عون وجعجع أن يلتفتا في نقاشهما إلى تحسين مواقع الشباب المسيحيين أكثر من التفاتهما الى تحسين مواقعهما. ويضيف: «بما أنّني من منطقة الشمال العزيزة على قلبي، كنتُ أتمنّى لو لم يكن اللقاء ثنائياً إنّما ثلاثياً ويضمّ النائب سليمان فرنجية».

على رغم نتائج الإحصاءات المؤيّدة بنسبة عالية هذا اللقاء، لم نفاجَأ بمواطنين متشبثين. فهناك مَن قال لنا بالحرف الواحد: «لو أصبح الجنرال عون قوّاتياً، سأبقى عونياً!». فيما اعتبرَ سركيس أنّ «ألله قوّات، وهو مؤمِن بقدرة الله على فعل العجائب وجعلِ أبنائه على الأرض جميعهم تابعين للقوات، حتى الجنرال عون».

«يا ريتُن عِملوَا عيدِيّة

من أظرف التعليقات على اللقاء قولُ الموظف «حليم»: «يا ليتهما اجتمعا في العيد، لكان عيَّدَ مع كلّ عائلته»… تعليق مضحِك مُبكٍ في آن. في إشارة الى أنه وعائلته متخاصمان لأنه عوني وأخوته «قوات».

حسيبة والصوَر

في غرفة حسيبة، صوَرُ الجنرال تملأ المكان والشموعُ أيضاً. تؤمِن به وبأنّ خلاص البلد سيكون على يده، وتقول: «يتفضّلوا يسلّموه الكرسي تا يشوفوا كيف بدّو يربّيهن». وتُردِف: «الجميع يخاف منه، بمَن فيهم حلفاؤه». لكنّها تبدي سعادتها للقائه جعجع، مشدّدةً على أنّها لطالما تمنَّت اتّحاد القوى المسيحية، ليدهِشوا العالم.

هذه عَيّنةٌ من تفاعل الشباب المسيحيين مع اللقاء المرتقَب بين الحكيم والجنرال، وهناك قصصٌ كثيرة أخرى طريفة لا تسَعُها الصفحات لو كُتبَت، إذ إنّ 30 عاماً من الملفّات القواتية العونية، و30 عاماً من التقاتل العلني والحروب الميدانية والنفسية، لن تكفيَ بضعةُ أوراق بيضاء للحديث عن بدايتها، ولن يكفيَ لقاءٌ أبيض مرتقَب بين القائدَين المسيحيَّين الأبرزَين على الساحة المسيحية لخطّ نهايتِها. إلّا أنّنا نأمل، كما أمِلت «حسيبة»، اتّحادَ القوى المسيحية ليُدهِشوا العالم، لأنّ مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة.

فهل يُعطي لقاءُ الشجعان بدايةَ السلام للمسيحيّين… فيُدهِشوا العالم؟