IMLebanon

أبعد من “مِنى”

ليس البكاء على الضحايا ما يدفع مرشد الجمهورية الايرانية الى المطالبة بدور لطهران في تنظيم اعمال الحج. فمن السذاجة تنسّم حسن النية في الدعوة الايرانية، خصوصا ان “حلم” نظام الملالي بتنازع زعامة العالم الاسلامي مع المملكة العربية السعودية، قديم قدم إحيائه الاحقاد المذهبية، وتغذيتها بأساطير فارسية لا تفيد إلا في تأجيجها.

تعرف طهران انها لا تملك مقومات هذه الزعامة، لافتقادها المواقع الدينية الاسلامية الجامعة، ولأن المذهب الاسلامي الذي تنتمي اليه لا يشكل 20 في المئة من الأمة الاسلامية، عدا أنها لم تتبع يوماً نهجاً تصالحياً مع الدول الإسلامية، والعربية تحديدا، والتي لغتها لغة القرآن، أي لغة الإسلام، ولا حتى مع مرجعية النجف، العربية الشيعية.

فمنذ عودة الخميني اتخذت طهران دورا هجومياً، وحتى عدائياً، تحت عنوان تصدير الثورة، علناً، واملاءات المذهبية القومية ضمناً. حتى الغيرة على سلامة دول المنطقة، واعلان “فضح” المشروع الاميركي المزعوم لتقسيمها، لم يكن الا غطاء لـ “خطف” ما يمكن من “جبنة” الشرق الأوسط. ألم يكن الاحتلال الاميركي للعراق مدخلاً الى سيطرة ايرانية على مفاصل الحياة العامة فيه، وغنم ماله ونفطه واقتصاده، والسعي الى تحويل ابنائه، لا سيما الشيعة منهم، الى جالية فارسية في بلادهم؟

لكن أفضل رد، وبعد أكثر من 13 سنة من السعي الى احتواء العراق، جاء من حشود بغداد ضد الهيمنة الايرانية، على طريقة الاجماع اللبناني في 14 آذار 2005 ضد نظام الوصاية الأسدي.

لا شك ان الحدث يستوجب التهيب، والتساؤل عن المسببات، وهو ما تركته الرياض للقضاء، لتحديد المسؤوليات، من زاوية جلال المصاب. أما إلحاح طهران على المطالبة باعتذار سعودي، واعلان تحمل المسؤولية، فمن ملامح المزايدة السياسية الماكرة، خصوصا ان المملكة لم تقصر في بذل الجهود والمال لتسهيل اعمال الحج، التي لم تسجل أي حادث منذ أكثر من 7 سنوات، فيما هي لم تقصر، يوما، في تحمل المسؤولية عن أمن الحجاج، ورعايتهم، بدليل اتخاذها كل ما يسهل أداءهم المناسك.

الانتهازية السياسية الايرانية للحادث المأسوي، أكده النائب الأول لرئيس الجمهورية العراقي، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في تناغم مع الحملة الايرانية على السعودية، وهو الذي يلاحقه العراقيون، وحكومة خليفته حيدر العبادي، بتهم التقصير في المسؤولية، ونهب المال العام. هي محاولة يقتات اهلها من جثث الضحايا، ليبنوا مجداً سياسياً، وتفتيتاً للمسلمين عموماً، ولطليعية السعودية دينياً، وإدارتها لشؤون الحرم تحديدا.

يتجاهل المتحاملون على السعودية أنها، إلى جانب الضحايا، أول المصابين بالكارثة، أدبيا ومعنويا، وأن التجاريب تقتضي، كما الحكمة، انتظار نتائج التحقيقات القضائية، خصوصا أن كلاما على مسيرة ايرانية عكس السير، في منى، لم يحسم نبأها، يرافقها عدد الضحايا الإيرانيين الكبير.