IMLebanon

انتخاب الرئيس من الشعب: الخطوة الأولى على طريق التغيير!

أظهرت الممارسة والتجربة في مرحلة ما بعد الطائف أن هناك ثغرات ونواقص كثيرة في عملية تطبيق الطائف، ما أدى الى إنتاج أزمات سياسية ودستورية إن على صعيد تشكيل الحكومات، أو على صعيد صلاحيات رئاسة الجمهورية التي لا تتناسب مع مسؤولياتها، أو على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية في ظل سجال عقيم لا يتوقف حول نصاب الثلثين والنصف زائدا واحدا وواجب المشاركة وأحقية المقاطعة.

وإزاء هذه الثغرة الدستورية ـ السياسية، صدرت مقترحات ودعوات الى إجراء تعديلات لا تمس التوازنات والمعادلات الطوائفية في الحكم التي أرساها الطائف، ولا تمس صلاحيات المؤسسات الدستورية الثلاث (رئاسة الجمهورية، المجلس النيابي، الحكومة) وإنما تحسن ظروف ممارسة الحكم وتسيير شؤونه وتؤدي الى تفادي أزمات التعطيل والشلل والفراغ التي تكررت في السنوات الأخيرة وطالت مجلس النواب والحكومة وأخيرا رئاسة الجمهورية.

ومساهمة مني في إغناء النقاش الدائر حول إخراج انتخاب رئيس الجمهورية من عملية التعطيل التي يتفنن بها أكثر من طرف، واستباقاً لأزمة الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، أتقدم بآلية لانتخاب الرئيس تبقي على صلاحيات رئاسة الجمهورية كما هو منصوص عنها في الدستور، ولكن تحرر الرئيس من الارتهانات الداخلية والخارجية، بحيث يتمكن من ممارسة هذه الصلاحيات للعب دور الحكم كما ينص عليها الدستور.

ودعوتي هذه هي في انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب ولكن من ضمن الضوابط والاعتبارات التالية:

  1. تحتسب نتيجة مرشح معين على الشكل التالي: نسبة أصوات المقترعين المسيحيين التي نالها المرشح زائدا نسبة أصوات المقترعين المسلمين التي نالها، مقسومة على اثنين. هذه النسبة تسمى النسبة المئوية المثقلة. وعلى سبيل المثال، إذا نال مرشح معين 60 في المئة من أصوات المقترعين المسيحيين و40 في المئة من أصوات المقترعين المسلمين، تكون النسبة المئوية المثقلة 50 في المئة.
  2. يفوز في الدورة الأولى للانتخابات من يحصل على نسبة مئوية مثقلة تفوق الـ50 في المئة.
  3. إذا لم يحصل أي من المرشحين على نسبة تفوق الـ50 في المئة في الدورة الأولى، يتنافس بالدورة الثانية، المرشحان اللذان نالا أعلى نسبتين مئويتين ويفوز المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة.

ملاحظات:

  1. إن هذه الطريقة لاحتساب النتائج تعطي قدرة انتخابية متساوية للمسيحيين والمسلمين، أي أن حجم تأثير الصوت المسيحي على نتائج الانتخابات يساوي حجم تأثير الصوت المسلم عليها، برغم الخلل في التوازن الديموغرافي في لبنان المقيم.
  2. إن الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب، يكون بالضرورة رئيسا قويا، إذ إنه الرئيس الذي له بالضرورة الدعم الشعبي، وهو مقبول من المسيحيين والمسلمين على حد سواء، ما يؤهله، ليس فقط للعب دور الحكم، ولكن دور الحكم المقتدر أيضا.
  3. يحول هذا الطرح دون تعطيل الانتخابات ويخرج الرئيس من تحت سيطرة رؤساء المحاور الطائفية والمذهبية (أي الزعماء)، إذ يفقد هؤلاء إمساكهم بالأصوات النيابية التي يتحكمون بها لمصلحة قاعدتهم الشعبية، ما يحرر الرئيس المنتخب عبر هذه الآلية الانتخابية من الارتهان لاحقاً لهذا الزعيم أو ذاك، وبالتالي تمكنه هذه الآلية من لعب دوره كحكم ومسؤول عن انتظام الحياة الوطنية والسياسية والدستورية في لبنان.
  4. تحقق هذه الآلية لبننة الانتخابات الرئاسية، إذ إن العواصم الدولية والإقليمية يمكنها التأثير على الزعماء والنواب ولكن لا يمكنها التأثير على رأي الشعب بمجمله.
  5. إن هذا الاقتراح لا يتناقض إطلاقاً مع جوهر الطائف (المناصفة الحقيقية والسيادة والاستقلال)، وإن تطلب تعديلاً دستورياً يتعلق حصراً بشق بحت إجرائي يتناول كيفية إجراء الانتخابات الرئاسية.
  6. لا صحة للقول بتناقض هذا الاقتراح مع كون النظام اللبناني برلمانيا وليس رئاسيا: فانتخاب الرئيس من الشعب لا يغير بصلاحياته الدستورية ولا بصلاحيات المجلس النيابي ورئيسه وصلاحيات الحكومة ورئيسها، ولا يحوله من حكم إلى حاكم، ولكن يجعله أكثر وزناً في معادلة الحكم، كما يخلق توازناً فعلياً بين الرئاسات الثلاث، ويجعله أقدر في أداء دوره كناظم للحياة السياسية والوطنية داخل الدولة وخارجها.

أما اليوم، فيمكن إضافة الملاحظات التالية:

إن هذه الطريقة لانتخاب الرئيس باتت ضرورة ماسة لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من يد غالبية الطبقة السياسية الفاشلة التي يلفظها الشعب في الساحات، وخطوة أولى أساسية لإعادة إنتاج السلطة على قواعد سليمة ولاستعادة سيادة الشعب على قراره واسترجاع حقوقه المسلوبة من قبل متسلقي السلطة من أجل السلطة والمال.

إن هذه الطريقة متناغمة مع طبيعة الكيانية اللبنانية، مع الطائف ومع الدستور، ولا سيما مع مقدمته. وهي طريقة لا تلغي فقط تحكم بارونات السياسة اللبنانية بالانتخابات وبتوازناتها «التحاصصية» التي لا تولي الأهمية للمصلحة العامة والوطنية، إنما تخرج أيضاً انتخاب رئيس الجمهورية من متاهة «تعيينه» من الخارج، مهما كان هذا الخارج.

على الحراك الشعبي أن يركز ضغطه على الطبقة السياسية الحاكمة بغية تحقيق هدف سياسي أوحد وهو أن تسرع بتعديل المادة 49 من الدستور بحيث تتمكن من أن تجري الانتخابات الرئاسية مباشرة من الشعب على النحو المقترح، خارج أي توافق إقليمي (ولا سيما إيرانيا – سعوديا) لن يحصل الآن، وقد لا يحصل على مدى السنوات المقبلة.

آن الأوان لأن تتوقف مسيرة تدمير لبنان بإقحامه في صراعات المنطقة المدمرة على يد هذه الطبقة السياسية المترهلة والمرتبطة!

حان الوقت للتغيير قبل أن تلتقط الطبقة السياسية المتداعية أنفاسها وتنقض مجدداً على شعبها، لتسوسه بالطريقة الغنمية التي اعتادت عليها!