IMLebanon

دروس في الحرية لمن كانوا أساتذة!

 

يأتي الربيع هذا العام حارّاً على بعض دول العالم الإسلامي، ملتهباً على البعض الآخر، حيث فاض كيل الشعبين الجزائري والسوداني من أنظمة طال أمدها من دون أن تتقدّم بالبلاد والعباد قيد أنملة نحو النمو والتطوّر، في حين وقعت الفصائل الليبية في أتون الصراعات الدموية والتي تحوّلت إلى عمليات كرّ وفرّ غير واضحة المعالم والنهايات!

كل ينتفض على طريقته، وكل يناضل لتحصيل حقوقه.. إلا الشعب اللبناني، الذي أعمته الطائفية وقوّضته الزبائنية، فانتصر للمصالح الخاصة على المصلحة الوطنية العامة، واستسلم لطبقة سياسية سلبته القدرة على المحاسبة والمساءلة، ولعبت دور الجلاد والضحية في آن، وأجهضت كل محاولات رفع التمرّد على هذا الواقع المهين الذي يعيشه اللبنانيون منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى اليوم.

ففي عودة سريعة لانتفاضة ١٤ آذار، التي شكلت علامة مضيئة في تاريخ لبنان الحديث كونها وحّدت شريحة كبيرة من المواطنين، تحرروا من طائفيتهم والتفوا حول العلم اللبناني ونادوا بقضية واحدة وموحدة لهم، حرية واستقلال الوطن! إلا أن هذا الحلم الجميل وهذه الوحدة الثمينة لم تدم طويلاً، إذ ان أقطاب ١٤ آذار فشلوا في الحفاظ عليها وتطويرها كمدماك أول لدولة المؤسسات الأولى بعد الوصاية الطويلة.. فوقعوا في المحظور وأضاعوا الحلم لجيل بكامله آمن بهم وبقضيته!

أما حين قرر المجتمع المدني الانتفاض على استخفاف الدولة المهين بحق المواطن البديهي بالعيش الكريم بعيداً عن مخاطر التلوث والنفايات المسرطنة، والتي تحوّلت مع الكهرباء وشتى حاجاته الحياتية الأساسية إلى دجاجة تبيض ذهباً، يتناتشها الجميع فحيناً يتوافقون على تقاسمها ويختلفون أحياناً على حصصها، سارع المعنيون إلى زرع المندسّين بين صفوف المحتجين المدنيين فحولوه من حراك حضاري سلمي إلى حركة شوارعية تخريبية أجهضته في أرضه قبل أن ينمو ويتطوّر ليثمر قوة شعبية مكوّنة من خبراء وكفاءات قادرة على محاسبة المقصرين في السلطة وإيصال المطالب المحقة من منطلق المصلحة العامة ولا شيء دونها!

ثم جاءت الانتخابات النيابية لتكرّس هذه الطبقة من دون حسيب أو رقيب، حيث وصل حد اليأس إلى الاستسلام، والبؤس والجوع حد بيع الصوت لمن يدفع أكثر، ووصل حد التبعية والخوف من التغيير بالقبول بالحد المهين من التقديمات على أنها إنجازات في حين تئن مناطق كاملة بساكنيها الأصيلين ومن استقبلوهم كنازحين من انعدام أقل مقوّمات الحياة المدنية، حتى لا نقول الكريمة لأنها لا تزال بعيدة كثيراً، فلا بنى تحتية ولا ماء ولا كهرباء وطبعاً لا مشاريع إنمائية ولا خطط تطويرية، ولا مَن يتعرّف على أهلها إلا بموسم الانتخابات أو جبايات الدولة العبثية!!

هنيئاً للشعوب التي انتفضت لواقعها، وهنيئاً للدماء التي سالت في سبيل الوطن، كرامة المواطن وحقوقه، لعلها تكون دروساً نافعة في الديمقراطية لمن كانوا رواداً في زمنهم ومحيطهم، لتذكرهم أن التغيير لا يأتي عبر الاستسلام، والحرية لا تعبر عن طريق الاستزلام، والمحاسبة لا يمكن أن يحققها المرتكبون أنفسهم، فبناء الدولة يأتي من القاعدة المتينة أولاً ليصل إلى رأس الهرم الشامخ!