IMLebanon

“القوات” تَردّ اعتبار “حلّها” في “عُرسٍ إنتخابي”

 

في 23 آذار 1994، عندما قرّرت سلطة الوصاية آنذاك حلّ «القوّات اللبنانية» وسجن رئيسها سمير جعجع والتنكيل بقياداتها وعناصرها، لم يخطر ببال سجّانيها، أن تلك المجموعة المحظورة، المُعَتقَلة والمضطَهَدة، ستكون عصيّة على الشطب، أن تُعمّق ضربات الجلّاد في جسدها المُعلّق روحيّة النضال والصمود، أن تردّ اعتبارها السياسي والنضالي في ثورة الأرز 2005، وأن يخرج قائدها من زنزانته بعد 11 عاماً، وتبدأ معه ورشة تنظيمية كبيرة، وتردّ اعتبارها الحزبي بانتخابات داخلية ستجرى للمرّة الأولى، غداً الأحد في 29 تشرين الأوّل 2023.

غداً تستدعي «القوات» محازبيها المستحقّين إلى كلّ الجبهات، من الشمال إلى القرى الجنوبية الحدودية، حيث الخطر الذي يدقّ أبوابهم وحياتهم لن يكتم أصواتهم أو يُخفّف من عزيمتهم والتزامهم. حوالى 40 ألف منتسب مدعوّون إلى المشاركة في استكمال تشكيل قيادة هرمهم الحزبي، ويُتوقّع أن تشهد نسبة الإقتراع نحو 80%. صحيح أنّ التزكية قد حسمت موقعيْ رئاسة الحزب ونيابته لصالح رئيس الحزب سمير جعجع ونائبه جورج عدوان، إضافة إلى مقعديْ البقاع لصالح رئيس بلدية القاع بشير مطر وميشال التنّوري، لكنّها لم تُخفت حماسة القوّاتيين. اذ تشير مصادر مطلعة إلى أنّ «القوات» كباقي الجماعات السياسية، تشهد تنافساً داخليّاً صحيّاً وتفاوتاً في الآراء والأفكار بين محازبيها ومن يصلح لأنّ يكون في مواقع المسؤولية، فتأتي العملية الديموقراطية عبر الإنتخابات لتصون الحياة الحزبية وتحصّنها.

يتكوّن الموزاييك القوّاتي من ثلاث فئات وهي: رعيل «المقاومة العسكرية»، جيل «النّضال الطلّابي» والفئة الشبابية المعاصرة، ورغم وجود مرشّحين ينتمون إلى هذه «التلوينات»، لكن ذلك لا يعني أنّ كلّ واحدة منها معلّبة في إطار جامد، أو أنّها تُشكّل «بلوكاّ» إنتخابيّاً مقفلاً. فالمعركة الإقتراعية كما تراها مصادر قوّاتية ليست صراع أجيال، أو بشكل أدقّ بين «جيل الحرب» والجيل الجديد وما بينهما، وإن ظهرت في بعض الأماكن وتمّ التعبير عنها عبر مواقع التواصل الإجتماعي بين مؤيّدي المرشّحين. لهذا وتفادياً لأي اتجاهات قد تحيد عن معايير حسن الإختيار المرتكزة على الكفاءة والمناقبية والمؤهلات المطلوبة للقيادة، شدّد الحزب على شعار «رفاق تنتخب رفاق وقوّات تنتخب قوّات».

توقّعات غير محسومة

من الصعب التكهّن أو الفصل في نتائج الإنتخابات ومعرفة هويّة الفائزين لعضوية الهيئة التنفيذية، لا سيّما في المناطق التي تضمّ مرشّحين «أقوياء» ومعروفين لدى الرأي العام اللبناني والقوّاتي. كلّما احتدم التنافس كلّما زادت المعركة تعزيزاً لمفهوم ثقافة الديموقراطية. فدائرة الشمال مثلاً تضمّ 3 مقاعد و6 مرشّحين، لكلّ منهم خلفيته النضالية ومؤهّلاته الشخصية والفكرية والحزبيّة. أي ثلاثة سيفوزون: أنطوان زهرا، إيلي كيروز، وهبي قاطيشا، أم وجوه جديدة بالنسبة إلى الهيئة التنفيذية كالمؤرّخ يوسف حتّي وإيفون الهاشم وفادي بولس الذي أعلن في ترشّحه «ضرورة تبنّي الحزب نظام حكم فيدراليّ». في هذا السياق، هلّ تنعكس الأحداث الحالية التي يمرّ بها لبنان والمنطقة على توجّهات الناخبين في اختيار مرشّحين قد يُعبّرون عن هواجسهم ورؤيتهم للواقع اللبناني المركّب الذي يتعقّد أكثر في الأزمات والمفاصل الكبرى أكثر من غيرهم؟

في جبل لبنان، يدور التنافس بين 9 مرشّحين على ثلاثة مقاعد وهم: النائب السابق آدي أبي الّلمع، الوزير السابق طوني كرم، فادي ظريفة، مايا زغريني، رشيد خليل، جورج عون، عادل الهبر، شارلي القصيفي وميشال أبو جبرايل. تعتبر المجموعة ناريّة، إذ تضمّ أسماء لعبت أدواراً سياسية ونقابية ومسؤوليات حزبية لفترة طويلة كأبي اللمع وكرم وظريفة. من سيدخل قاعة الهيئة التنفيذيّة في معراب؟ هل ينتخب القواتيون المرشحين البارزين، أم سيختارون نبضاً جديداً؟ وعندما نقول بارزين، نقصد بهم المعروفين إعلاميّاً وحزبيّاً لدى القاعدة الحزبية والرأي العام أكثر من غيرهم، وليس ما يتمتّعون به من كفاءات ومؤّهلات.

في بيروت، كما يصفها البعض بدائرة الإقصاء، فالمعركة محصورة بين مرشّحين قويين هما دانيال سبيرو ورياض عاقل. يجسّدان التنوّع القواتي والنضال المتواصل بين الأجيال. فسبيرو يُرسّخ الذاكرة الطلابية في عهد الوصاية وعاقل يعكس صورة المقاوم في زمن الحرب والمقاومة العسكرية.

أما دائرة الجنوب (مقعد واحد)، فسجّلت انسحاب المرشّح فادي أبو عتمة، ليبقى التنافس بين ثلاثة مرشّحين هم: أسعد سعيد، الياس أبي طايع وبسّام الناشف، حيث يتوقّع مصدر متابع أن تكون المعركة متقدّمة بين سعيد وأبي طايع. ختاماً، دائرة الإنتشار، يتنافس على مقعدها: جوزيف الجبيلي، أنطوان البارد وبيار الحاج. الثلاثة لعبوا أدواراً مهمّة في تعزيز الحضور القواتي (الأكبر بين الأحزاب) في بلاد الإغتراب.

في الخلاصة، مهما كانت النتائج، ستشكل المعركة الديموقراطية محطّة مهمّة في مسيرة القوّات، لا سيمّا أن القانون سمح للقاعدة الشعبية بانتخاب القيادة الحزبية مباشرة وليس عبر مندوبين. وهذا يعني إشراكها في تحمّل المسؤوليات والقرارات السياسية المتخذة. ومن المنتظر أن تعكس الهيئة التنفيذية هذا التنوّع القوّاتي الخصب وأن يتمخّض عنه مجلس يضمّ مفكّرين وسياسيين ونقابيين، قادرين على مواجهة المرحلة وتحدياتها المصيرية.