IMLebanon

ميقاتي على حافة الاعتكاف… فماذا لو؟

 

يخطر لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي هذه الأيام بقوة، الاعتكاف عن تصريف الاعمال، لاصطدامه المتواصل بواقع تعطيلي يعوق عمل حكومته ويدفع في اتجاه تحميلها مسؤولية الأزمة التي وجدت نفسها في وسطها منذ ما قبل حصول الفراغ الرئاسي الذي لم يتلمّس طريقه بعد إلى الزوال. فماذا لو اعتكف؟ وهل يؤدي اعتكافه إلى تعجيل انتخاب رئيس الجمورية الجديد؟

ان يصل الامر بميقاتي ليعلن من مجلس النواب ومن ثم من مجلس الوزراء امس الاول انّ الوضع صعب جداً، وانّ على الجميع ان يتحمّلوا مسؤولياتهم قائلاً: «اللهم أشهد اني قد بلغت»، فذلك نذير بأنّ الأزمة وصلت إلى مراحل خطيرة وماضية إلى مزيد من الاستفحال والخطورة، بما يهدّد بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع.

فميقاتي، حسب اوساطه، يقول انّ الجميع يطلبون من حكومة تصريف الاعمال ان تعالج الأزمات بـ»اللحم الحي» وان تصلح ما أفسده العطار خلال 30 عاماً، وهذا الأمر ليس بالواقعي والمنطقي في الوقت نفسه. فحتى يتمكن هذا العطار من الإصلاح على مجلس النواب ان ينتخب رئيساً للجمهورية ويقرّ التشريعات اللازمة لمساعدتها في معالجة الأزمات المتفاقمة، ولكنه لم يفعل ذلك حتى الآن، بفعل ما يتعرّض له من تعطيل وما يدور من خلافات وانقسامات حول الاستحقاق الرئاسي، ورفض بعض الكتل والقوى السياسية التشريع في ظلّ خلو سدّة رئاسة الجمهورية، تماماً كرفضهم اجتماع مجلس الوزراء، وإلقاء التبعات في الوقت نفسه على الحكومة وتحميلها المسؤولية. وانّ مثل هذا الأمر لا يمكن ان يستمر من دون موقف أقله الاعتكاف، يمكن ميقاتي ان يتخذه في حينه اياً كانت التبعات، إذ لربما يشكّل هذا الاعتكاف دافعاً قوياً للجميع إلى الإسراع في انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وهو مطلب ميقاتي وحكومته الأساسي منذ نشوء الفراغ الرئاسي.

وتضيف هذه الاوساط، انّ الحكومة تصرّف الاعمال وتعمل بدأب منذ سنة تقريباً، وتعتمد سياسة تدوير الزوايا هنا وهناك وهنالك لتسيير شؤون البلاد، وعلى أساس ان يتعاون الجميع على انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت، وأن يتعاون الجميع مع الحكومة في هذه الأثناء لتسيير شؤون البلاد، إلى حين إنجاز هذا الاستحقاق وتكوين السلطة التنفيذية الجديدة. ولكن النتيجة كانت وما زالت حتى الآن حملات تُشن على رئيس الحكومة وعلى الحكومة، ويتحاملون عليها ويقاطعونها ويعتبرونها غيرشرعية ويطعنون بدستورية قراراتها، مع العلم انّها لم تتخذ اي قرار له طابع الحصرية او الخصوصية المتعلقة برئاسة الجمهورية التي تتولاّها الحكومة بالوكالة إلى حين انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة. ولذلك، تقول الاوساط نفسها، انّ هذا الأمر لا يمكن «العطار» الحكومي ان يقبل به، وهو يرى انّ على الجميع ان يتحمّلوا مسؤوليتهم حتى يتمكن هذا العطار من معالجة الوضع، بحيث يؤمّنون له المواد اللازمة الدستورية والقانونية، اما إذا استمروا في إقفال كل المنافذ والطرق المؤدية امام الحكومة، فعليهم ان يتحمّلوا كل النتائج والتبعات التي ستترتب على اللبنانيين في هذه الظروف الصعبة جداً التي يمرون فيها.

وفي السياق نفسه تقول اوساط ميقاتي، انّ هؤلاء المعارضين والمقاطعين، الذين وصل الامر ببعضهم احياناً الى حدّ التجريح الشخصي برئيس الحكومة، يطالبون الحكومة بالإصلاح فيما هم يعرقلون إقرار القوانين الاصلاحية المطلوبة داخلياً ومن المجتمع الدولي، في مجلس النواب، وذلك عبر مقاطعة الجلسات التشريعية لإقرارها على رغم مشاركتهم في جلسات اللجان النيابية التي درستها فأقرّتها ورفعتها الى الهيئة النيابية العامة، وآخر مآثرهم كان تعطيل انعقاد الجلسة التشريعية الاخيرة، حيث انّهم قاطعوها ما حال دون توافر نصاب الأكثرية المطلقة المطلوب لانعقادها، علماً انّ القوانين المدرجة على جدول اعمالها كانت تحت عنوان «تشريع الضرورة»، وهي في غالبيتها ممن اقترحوه هم، فإذ بهم بمقاطعتهم هذه كأنّهم ينقلبون على مواقفهم، ويعطّلون الإصلاح بذريعة انّه يصح إجراؤه في ظلّ الفراغ الرئاسي، وانّ المجلس النيابي هو في نظرهم في وضعه الحالي يشكّل «هيئة ناخبة» عليها المواظبة على عقد جلسات انتخابية متلاحقة حتى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد. ولكن هذه الذريعة يدحضها الخبراء في الدستور والقوانين، ويؤكّدون انّ المجلس يكون هيئة ناخبة فقط ولا يحق له التشريع عند التآمه تحديداً لانتخاب الرئيس، اما خارج ذلك فهو سيّد نفسه ويمكنه التشريع ساعة يشاء، حيث انّ البلاد تحتاج الى مثل هذا التشريع بوجود رئيس او في ظلّ فراغ سدّة الرئاسة، وذلك من اجل تسيير الشؤون العامة.
وإلى ذلك يقول مطلعون على موقف ميقاتي، انّ احتمال لجوئه الى الاعتكاف هو احتمال جدّي، ولذلك فإنّه بدءاً من الاسبوع المقبل سينطلق في نهج جديد في التعاطي مع القضايا المطروحة ومع مختلف القوى السياسية، وإذا شعر انّ سياسة التعطيل ستستمر فإنّه لن يتردّد في الاعلان عن اعتكافه عن ممارسة تصريف الاعمال، واضعاً الجميع عند مسؤولياتهم وملقياً الحجة عليهم.

على انّ بعض الوزراء يقولون في هذا السياق، انّ بعض القوى السياسية تدرك انّ المقاطعة التي تمارسها ضدّ مجلس النواب والحكومة هي في غير محلها، ولكنها تتخذها شمّاعة لإمرار فترة الوقت الضائع التي يمرّ فيها لبنان على وقع التطورات المتلاحقة في المنطقة، قبل ان تُقدم على حسم خياراتها حيال الاستحقاق الرئاسي، إذ انّ بعض هذه القوى ينتظر شيئاً ما او كلمة سرّ من داخل او خارج، ليبني في ضوئها على الشيء مقتضاه رئاسياً وحكومياً، ولذلك تجد ضالتها تارة في تعطيل انعقاد جلسات مجلس النواب، وطوراً في التشكيك بشرعية الحكومة وتعطيل نصاب جلساتها إذا استطاعت الى ذلك سبيلاً. ولكن هذه اللعبة اصبحت مكشوفة وممجوجة أمام اللبنانيين الذين باتوا لا يفكرون في هذه الظروف القاتلة الّا بأمنهم المعيشي والحياتي الذي وصل الى الدرك الأسفل نتيجة غياب المعالجات الفعّالة التي على الجميع التعاون لتوفيرها، سواء في مجلس النواب او في مجلس الوزراء. فنظرية «انعدام الشرعية» لا تنطبق على الواقع وعلى القوانين والدساتير التي تقول في كل دول العالم، وحتى في «جمهوريات الموز»، إذا جاز التعبير، بوجوب اتخاذ التدابير اللازمة لتسيير شؤون المرافق العامة إلى حين انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة.