IMLebanon

ثلاث ديناميات وكثير من الحيتان والديناصورات

 

لا مفر من تجدد الثورة الشعبية السلمية التي أعادها الى المشهد الوطني إنفجار اجتماعي زاد ارتفاع الدولار من أسبابه. الثورة خرقت أسوار النظام وحراسه، قبل أن تتمكن المافيا السياسية والمالية والميليشيوية المتسلطة من إختراقها واحتوائها من دون أن تُلغي العوامل التي قادت اليها. والإنفجار الإجتماعي بداية جديدة تحتاج الى خريطة طريق للوصول الى الأهداف وتحقيقها بالإستفادة من تجارب الخطأ والصواب في المرة الماضية. فلا إغلاق الطرقات بالإطارات المشتعلة يجدي، إن لم يكن ضمن خطة سياسية لفتح الطريق المقطوع الى تأليف حكومة؛ ولا تأليف حكومة يكفي، إن لم تكن أداة للإنقاذ وإجراء إصلاحات جذرية تمهد لانتخابات نيابية تعيد تكوين السلطة، قبل أن ينهار الكيان والنظام في فوضى كاملة؛ ولا إعادة تكوين السلطة تكفي، إن لم تخرج السلطة الجديدة على التركيبة الحاكمة والمتحكمة التي صنعت الأزمات ومنعت الإنقاذ منها.

 

ذلك أن في لبنان اليوم ثلاث ديناميات وعدداً أكبر من الحيتان والديناصورات. دينامية الثورة الشعبية التي تباطأت وفقدت الزخم لأسباب منها ومن خارجها. والآن نشهد عودة الروح اليها، لأن الأزمات المتراكمة تفاقمت بمقدار ما ازداد عجز المسؤولين عن إيجاد حلول لها واستخفافهم بوجع الناس، واطمئنانهم الغريب الى أنهم باقون في المواقع وثابتون على المواقف ولو انهار المسرح من تحتهم.

 

ودينامية الثورة المضادة التي لا تهدأ، وهي تعمل على وقود العصبيات والقمع والعنف واستعراض القوة بقيادة حيتان وديناصورات على نوعين: واحد يعيش في العالم الإفتراضي لكنه يمارس في العالم الواقعي أقصى الشراسة في المحاصصة ويرفع أكبر قدر من الشعارات المثالية؛ وآخر يترك فتات المنافع والمراكز للجائعين الى المال والسلطة، ويعمل هو على مراحل لإلتهام البلد كله.

 

ودينامية الانهيار الكامل، وهي أسرع من دينامية الثورة ودينامية الثورة المضادة، ويبدو تسارعها مثل “تسونامي صامت” كما وصفه وزير بريطاني زار بيروت. لكن صمته كان أعلى من الضجيج الذي يرفض المسؤولون سماعه حتى بعدما صار صوتاً رهيباً سمعه العالم كله يوم انفجار الأمونيوم الذي دمر مرفأ بيروت ونصف العاصمة.

 

وليس ذلك كله خارج التأثر بديناميت الصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط وعليه، بصرف النظر عن المبالغة في رهانات قوى على التأثير في الصراع والمبالغة لدى قوى أخرى في تبسيط النظرة اليه واعتبار نفسها في صف المنتصرين. والمشكلة هي التأثر سلباً، حيث انتظار التطورات في العراء. والأخطر هو تقزيم وطن الحرية والإبداع الأدبي والفني والعيش المشترك، والإنفتاح الى حد جعله مجرد ورقة في ملف مفاوضات إقليمية-دولية معقدة.

 

حتى العدالة في محنة. ويقول القديس أوغسطينوس: “دولة تدار بلا عدالة تصبح عصابة شذاذ”.