IMLebanon

تحية الى روح التمرّد

 

تحية الى تلامذة وطلاب لبنان. ليس لأنهم حملوا مشعل الثورة وبثوا فيها روح الأمل والشباب فحسب، بل لأنهم بوعيهم الاستثنائي وبمطالبهم الواضحة صوَّبوا البوصلة وثبتوا وجهتها وأبلغونا اي لبنان نريد، فيما حيَّر هذا السؤال الساسة منذ انشاء الكيان، وتسبب فشل الاجابة عنه بكل حروبه المتناسلة.

 

بهؤلاء الشباب وروح التمرد التي انتفضت داخلهم يبدأ التغيير، حتى ولو قاومت “الثورة المضادة” بكل ما ملكت من سلاح. فكل فتى خرج من باب مدرسته لينضم الى الشارع، وكل شاب انتصر على الخوف في جامعات بات رؤساؤها أو اساتذتها أو مجالسها الطلابية مستتبعين مثل النقابات، هو مشروع رجل حر. والأوطان لا يبنيها إلا الأحرار.

 

كانت نظرية المؤامرة والتمويل الخارجي متهافتة منذ اطلقها أهل السلطة والسيطرة، لكن الطلاب الثائرين أجهزوا عليها حين خرجوا يحملون علم لبنان ويهتفون ضد الطائفية ويشيرون الى الفاسدين بالبنان.

 

إنه مشهد جديد في تاريخ انتفاضات الطلاب. ففي خمسينات وسبعينات القرن الماضي استندت الاحتجاجات الى قضايا مطلبية ممزوجة بعناوين تتحكم بها ايديولوجيات اليمين واليسار. أما اليوم، فالثورة تتحرك ضمن سلَّم قيم ولائحة تبدأ من شرعة حقوق الانسان، وتتدرج نحو القوانين التي يفترض ان تضمن الحق في الحياة الكريمة.

 

فرادة هذه الثورة الشبابية انها سلمية وغنية ومتنوعة تؤمن بالاختلاف بقدر ايمانها بالمساواة، وبأنها توحّد اللبنانيين في ظل مواطنة جديدة يخترعها هؤلاء الذين نزلوا الى الشارع بعيداً من مفاهيم “الشعوب اللبنانية” و”العيش المشترك” و”التعايش” بين المسلمين والمسيحيين، أو خوف الأقليات. ومع هؤلاء الطلاب نتفاءل بالوصول الى المواطن – الانسان، وان يصير المسؤول رويداً رويداً خادماً للشأن العام وليس حاكماً متسلطاً يحيط به العسس وغلمان المحاصصة والسرقات.

 

مدهش هذا الأمل الذي بدا على وجوه الطلاب المتحررين من سلطة المدرسة والبيت، ولو لأيام. رفضوا أن يتآكلهم اليأس وسئموا ذكريات أهاليهم المكررة عن الحرب الأهلية والحذر من الآخر، واكتشفوا ان لبنان الكبير الذي تأسس قبل مئة عام كان مريضاً بداء عضال ومرَّ بمخاض عسير ولكنه لم يولد في 1943 مع الاستقلال، ولا في “الجمهورية الثانية” حيث تم تركيب منظومة الوصاية والمحاصصة والفساد. انه يولد اليوم حقيقياً ناصع البياض.

 

من نبض هؤلاء الشباب نعاود بناء افكارنا وأولوياتنا ونعيد النظر بكثير من المسلّمات. لقد هزّوا فينا الثوابت في الأفكار والمعتقدات وسبقونا الى فضاء من الحرية والمواطنية هو ابن هذا العصر ويواكب القيم الخيِّرة في القرية الكونية.

 

مؤسف انه في موازاة هذه الظاهرة التي تعبر عن ارادتها السياسية وتمد يد المحبة، يشكك أهل السلطة وأتباعهم بالثوار، ويقبعون في مأزق سياسي وفي عزلة أخلاقية لم يقع فيها قبلهم الا قصار النظر والمستبدون وأهل الظلام. فبئس سلطة لا تلتقط الفرصة، وهنيئا للبنان بطلاب يقودونه نحو المواطنية والكرامة والحرية