IMLebanon

أجمل الأمهات..

أجمل الأمهات تلك التي عانقت طيف ابنها في ساحة الانتظار لألف ومئة وعشرين يوماً. تلك الصابرة التي خططت لعودته، للقاء الأول بينهما، لعرسه، للاحتفاء به بطلاً عائداً من معركة، وكانت تعد الأرز والورد لتنثره من حوله، ثم أنها بعد الانتظار وبعد الخبر اليقين، لم تنكسر. بكت، وتأوهت حالها مثل حال الأمهات، وكما خططت وخططن، نثرت الأرز فوق السرير في خيمة رياض الصلح، السرير الذي لن يتعرف عليه ابنها الشهيد، ولن تكون أمامه فرصة الاستماع الى ليالي البرد والزمهرير وقيظ الصيفيات التي انصرمت في غيابه ورفاقه، هم الذين باتوا في عداد شهداء الوطن، الوطن الذي يستأهل التضحية وأوجاع الفقدان من أجل أن يبقى حراً محرراً.

صعب وجع الأمهات في الأمس، وقد تعالت أصواتهن: «يا قلب أمك..ويا ولدي البطل الذي رحل»، وضاقت بهن الخيم التي ازدحمت بأمهات من مختلف المناطق. فالأمومة وطن، والشهادة والأرض والقضية تبقى ولاّدة أبناء ومشاريع شهداء، ذلك أن القدر لا يؤخر المصائر وإنما يمنح بعض الوقت للأمل ولفرضية: «لو أنهم ما زالوا أحياء..». و«ماذا لو..؟» تسأل أم الشهيد في محاولة اختطاف بصيص أمل يعيد لها ابناً قد لا يكون بين «الستة»، بين «الثمانية»، أو قد يكون نجا، قد لا يعود ما تبقى من «الرانجر» الذي ينتعله اليه..ومع ذلك فإنها تبكي لأن الملف أقفل، ولأن الانتظار ضاق الى حجم نقطة النهاية، وحيث تبكي تربت أم شهيد على كتفها مواسية: «على الأقل ستعود رفاتهم. ستكون لهم شواهد، سنزورهم في القبور..هم الذين بأية حال وجدوا وبقي برسم الوطن 17 ألف مفقود من زمن الحرب الأهلية. والأخيرون الذين هم ما زالوا في علم الغيب، هناك بالقرب من ساحة الانتظار توجد خيمتهم، ولا تزال تلك الخيمة تنتظر عودة وخبراً يقيناً».

صعب الحضور الى ساحة الشهداء منذ اليوم، ذلك أن أم خالد مقبل حسن لن تكون في الخيمة. ستكون في حزنها وفي ذكريات توضبها للعائد، وكذلك الحال مع أم محمد يوسف، ومع غنوة..وستكون بقية الخيم شاغرة في غياب أمهات إن تلاقين في الساحة يوماً ستكون الدمعة وثاقاً بينهن وستكون دماء أبنائهن ذلك الوثاق الذي عبّد الطريق الى دحر الارهاب والى الذود عن أراضٍ مهما اتسعت فإنها تضيق بمحتليها، وحتماً لن تعود «الصفحة سوداء» في الغد القريب، وقد تحررت الأرض، ومن مجالس العزاء تزغرد أمهات الشهداء للمواكب العائدة بأبطال إن غابت ملامحهم ستبقى حكاياتهم تكتب فصلاً من فصول البطولة، هناك حيث الأمهات «ستبكي دمعتين ووردة ولن نتراجع عن الدم المتقدم في الأرض..لن نتراجع عن حبه للجبال التي شربت روحه»، أو هكذا تقول الانشودة.