IMLebanon

تحرّكٌ ثلاثي» لإمرار رئيسٍ توافقي

قبل أسابيع من الموعد المقرَّر لإنجاز الاتفاق النهائي على الملف النووي الإيراني بين إيران والدول الغربية يُسجَل تحركٌ أممي- فرنسي- فاتيكاني منسَق على الأرجح في شأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني يهدف الى تأمين المناخات الداخلية والإقليمية والدَولية لانتخاب رئيسٍ جديد.

هذا التحرّك كانت محطته بيروت في الأسبوع الماضي حيث زارها الموفد الرئاسي الفرنسي فرنسوا جيرو المتولّي ملفَ الرئاسة اللبنانية وكانت له لقاءاتٌ مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل.

في وقتٍ عقد الموفد البابوي الكاردينال دومينيك مومبرتي مجموعةَ لقاءاتٍ شملت بري وسلام والرئيس أمين الجميل ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع والبطريرك الماروني

مار بشارة بطرس الراعي وتوّجها بلقاء قمة في بكركي جمعه بالمرجعيات الدينية المسيحية والإسلامية الأسبوعَ الماضي، وهو سينقل حصيلة هذه اللقاءات الى المسؤولين في دولة الفاتيكان.

وفي موازاة لقاءاتِ جيرو ومومبرتي كان هناك حراكٌ بدأته منسقة الأمم المتحدة في بيروت سيغريد كاغ الموجودة الآن في طهران التي ستنتقل منها الى الرياض وذلك بناءً على تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

ومن المنتظَر أن يزور جيرو الرياض وطهران اللتين كان زارهما مراتٍ عدة في وقت سابق هذه السنة وفي العام الماضي باحثاً مع المسؤولين فيهما عن مساعدة سعودية – إيرانية للأفرقاء اللبنانيين تُمكِّنهم من الاتفاق على انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، شبيهة بتلك المساعدة التي أدّت الى تأليف حكومة الرئيس تمام سلام بعد تعثّر دام اكثرَ من عشرة أشهر. وينقسم الأفرقاء اللينانيون إزاءَ هذا التحرّك الثلاثي الأممي ـ الفرنسي ـ الفاتيكاني الى فريقين، الأول متفائل، والثاني متشائم.

الفريق المتفائل يتوقع نجاحَ هذا التحرّك في تأمين انتخاب رئيسِ جمهوريةٍ جديد تحت جنح الاتفاق النووي النهائي بين إيران ومجموعة الدول الخمسة زائداً واحداً، وذلك اعتقاداً منه أنّ طهران وبمجرد توقيعها هذا الاتفاق ستبدأ التعاطي بمرونة مع الأزمات الإقليمية وفي طليعتها الأزمة اللبنانية، خصوصاً أنها أعلنت وتُعلن دوماً أنها تعتبر الاستحقاق الرئاسي شأناً داخلياً لبنانياً وأنها تؤيد ما يتفق عليه اللبنانيون، أيْ أنها مع انتخاب الرئيس الذي يتوافقون عليه، علماً أنّ تحرّكَ الموفَدين الثلاثة يركّز تأمينَ المناخات الداخلية والإقليمية التي تساعد اللبنانيين على انتخاب رئيسٍ توافقي للجمهورية اللبنانية بعدما ثبتت استحالة انتخاب أيّ مرشح ممّن يُسَمون «مرشحين أقوياء».

ويشير هذا الفريق المتفائل الى أنّ هذا التحرّك الثلاثي تشارك فيه قياداتٌ وقوى لبنانية فاعلة، وأنّ «الرئيس التوافقي» يعمل عليه هؤلاء الموفدون الثلاثة منذ بدايات الاهتمام الأممي والفرنسي والفاتيكاني بالاستحقاق الرئاسي، وهم بنوا ذلك على ما تجمّع لديهم من معطياتٍ حول مواقف الأفرقاء السياسيين اللبنانيين وكذلك مواقف المسؤولين في الرياض وطهران.

ويُقال إنّ البطريرك الراعي يلعب دوراً ناشطاً في هذا المجال، انطلاقاً من تحسّسه المخاطرَ التي أحاقت وتُحيق بالمسيحيين في المشرق على يد القوى المتطرّفة، وهي مخاطر إذا تفاقمت يمكن أن تُطاول المسيحيين في لبنان وتطيح رئاسة الجمهورية اللبنانية الوحيدة التي يتولّاها مسيحيٌّ في الشرق وفي العالم العربي كله.

وقد كانت للراعي زيارةٌ لباريس التي التقى فيها الرئيسَ الفرنسي فرنسوا هولاند قبل أسابيع، فضلاً عن زياراته المتكرِّرة للفاتيكان، علماً أنه كان زار واشنطن في ايلول الماضي وكان موضوع الرئاسة في رأس المواضيع التي عرضها مع المسؤولين الأميركيين، وقد باتت هذه العواصم تدرك موقفه ومواقف بقية القيادات والمرجعيات اللبنانية من الاستحقاق الرئاسي.

ويرى الفريقُ المتفائل أيضاً أنّ هذا الحراك الأممي – الفرنسي – الفاتيكاني يهدف أيضاً الى إخراج الاستحقاق الرئاسي من دائرة الرهانات على التطوّرات الإقليمية والدَولية، إذ إنّ كلّ فريق من الأفرقاء اللبنانيين يراهن على أن تأتي لمصلحته فيبني عندئذ خيارَه الرئاسي على أساسها.

أمّا الفريق المتشائم فإنه يبني تشاؤمه إزاءَ هذا الحراك الأممي ـ الفرنسي ـ الفاتيكاني على أنّ القائمين به هم من طبيعة أوروبية ويصبّون في المجرى نفسه الاوروبي – المسيحي المحتضن للبنان تاريخياً، وأنّ تحرّكهم هذا يأتي من باب العاطفة والحرص وليس باب القدرة على الفعل، لأنّ الفعل في شأن الاستحقاق الرئاسي هو في مكانٍ آخر لا يملكون سلطة القرار عليه أو التأثير فيه، ولذا فإنّ حركتهم هدفها تعبئة الوقت وملء الفراغ واستمرار تأكيد حرصهم على لبنان وإيهام أنفسهم والآخرين أنّ لديهم ادواراً يمكنهم تأديتها في مجال المساعدة على انتخاب رئيسٍ جديد للبنان.

في حين أنهم يدركون أنّ القرار والفعل في هذا الشأن هما في الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إضافة الى ارتباط لبنان ورئاسته بالنزاع السوري وامتداداته الإقليمية، ما يجعل حركة هؤلاء الموفدين الثلاثة الفرنسي والفاتيكاني والأممي حركة، ولكن من المؤكد أنها بلا بركة، الى أن تتلاقى الإرادة الأميركية ـ السعودية ـ الإيرانية على الدفع في اتجاه تفريج الأزمات الإقليمية ومن ضمنها الأزمة اللبنانية.