IMLebanon

القرار الدولي 2334: إسرائيل لم تعد فوق الشبهات (1)

يواصل الفلسطينيون التعبير عن فرحهم إزاء صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، والمتعلّق بمطالبة إسرائيل بوقف الإستيطان. وفي المقابل وقع المستوى السياسي في إسرائيل في حال من الوجوم نظراً لتجرّؤ المجتمع الدولي للمرة الأولى عدا إعلانات وقف إطلاق النار وبعض القرارات الخجولة إزاء الاحتلال منها القرارات 446 – 452 – 465 – 478، على التطاول على السياسات الإسرائيلية الداخلية بالترافق مع امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو.

لم يتأخّر الرد الإسرائيلي العملي حيث أعلنت مصادر إسرائيلية في 27 كانون الثاني الماضي عن تحدٍ صلف للمجتمع الدولي، حيث أصدرت (لجنة التخطيط في القدس) بعد يوم تراخيص لبناء 618 وحدة استيطانية إضافية في الجانب الذي احتلّ من القدس عام 1967 ٠ كما ستقرّ هذه اللجنة إصدار تراخيص بناء لـ 262 وحدة استيطانية في مرات سلومون، و216 وحدة في حي راموت، و140 وحدة في بلغات زئير٠

وعلى الصعيد نفسه، كشف رئيس بلدية القدس المحتلة مئزَر ترجمان، أنّه يسعى إلى تقديم خطط لبناء 5600 وحدة استيطانية إضافية. وبعد فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعاظمت أيونات البناء في القدس الشرقية، و طرأ عددٌ كبير في عدد عمليات هدم المنازل للفلسطينيين.

الفلسطينيون يعلمون وكذلك الإسرائيليون أنّ القرار الدولي ليس من شأنه أن يشيل الزير من البئر، ولكنّه يشكّل نقطة تحوّل، إذ إنّ على إسرائيل

أن تدرك أنّها لم تعد فوق الشبهات، وبأنّها لن تستطيع التصرّف على هواها.

تكشف مصادر مطّلعة أنّ أهمية التصويت ذي الطابع الأممي في هذه اللحظة السياسية هو في أنّه يعطّل مخططاً استيطانياً خطيراً كان يشتمل على ضمّ وتهويد أجزاء من الضفة، ووضع حدّ للحلم الفلسطيني بإنشاء دولة مستقلة.

ليس مفاجِئاً أن تقوم قيامة نتنياهو ولا تقعد على تصويت مجلس الأمن ضد الاستيطان، وليس غريباً أن يكيل التهم للرئيس الاميركي (أوباما) على الموقف الغادر للولايات المتحدة الاميركية كما وصفه، وهو الامتناع عن استخدام الفيتو. وليس مفاجِئاً أن تبرز ردة فعل ترامب على موقف بلاده، وهو قد استبق تولّيه مقاليد البيت الأبيض ليعيّن محامي الاستيطان ديفيد فريدمان سفيراً لواشنطن لدى إسرئيل، و هو الذي يعتبر أنّ أبرز مهامه تكريس القدس عاصمة لدولة إسرائيل.

لا أحد صعقته المفاجأة التي اصابت نتنياهو وحكومته وردة فعله واستهجانه الذي أبلغه الى السفير الاميركي لدى تل ابيب على موقف بلاده عدم استخدام الفيتو فحسب، و إنّما الامتناع عن التصويت، و هي ردة الفعل التي وصلت الى حدّ اتهام إدارة أوباما بالوقوف خلف استصدار القرار الدولي ضد الاستيطان في القراءة الأميركية لخط سير القرار.

لا بد من الملاحظة أنّ إدارة اوباما ربما انتظرت لمدة طويلة لتعنّف نتنياهو ولتعبّر عن سخطها إزاء استمرار حكومة اسرائيل ليس بتغطية بناء المستوطنات فحسب، وإفشال الأدوار الأميركية بما يختص بتسوية نزاع الشرق الأوسط، بل كذلك لتقوم (بردة إجر) على كلّ مافعله نتنياهو إزاء تمرّده على قرارات الادارة الديموقراطية للبيت الأبيض، وصولاً الى دخوله المظفّر الى البنتاغون الجمهوري الغالبية والتصفيق الشديد له دون أن يمرّ على الرئيس أوباما، وكذلك صراعه مع الادارة حول صفقة العصر الاميركية لإسرائيل للسنوات العشر المقبلة والتي تضمّنت عدداً من طائرات الشبح «اف 35»، حيث كانت إسرئيل قد وضعت خلال المفاوضات على مجمل هذه الصفقة فاتورة بلغت ما يقارب 47 مليار دولار بينما لم تقرّ الادارة الاميركية سوى 38 مليار واشترطت من ضمنها مبيعات من شركات اميركية بالطبع، إدارة الرئيس ترامب الجديدة، لم تكن تريد أن تصل الأمور الى هذا الحد.

والرئيس ترامب غرّد شخصياً على التويتر بالقول إنّ الأمور ستختلف بعد 20 كانون الثاني موعد تسلّمه السلطة، وهي حاولت عبر تدخّل شخصي من الرئيس عبر اتصاله مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجم هذا التطوّر، وسحب المشروع المصري الذي من المفترض أنه كان يستند الى موقف عربي غير ملموس٠ مصر كانت تعرف أنّ دولاً أخرى ستمضي قدماً في تقديم المشروع الى مجلس الامن وهي مهرته بموافقتها لدى التصويت عليه، وما لم تدركه إدارة ترامب هو أنّ لا القرار الدولي و لا قرار إدارة أوباما هما ما يهددان عملية السلام في الشرق الأوسط بل إنّ الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو ما يخالف المنطق والقرارات الدولية، والاستيطان بشكل خاص.

فقد انتصر مجلس الامن الدولي بالتصويت لمصلحة قرار أكّد على عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الارض المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس الشرقية ٠التصويت الأميركي خلافاً للعادة كان كما أشرنا الاكتفاء بالامتناع عن التصويت، وقد جاءت الصحوة الاميركية قبل أقل من شهر من رحيل إدارة أوباما عن البيت الأبيض وبعد 77 فيتو سبق للولايات المتحده أن استخدمتها لمصلحة إسرائيل٠ القرار الدولي طالب بالوقف الفوري لكلّ الأنشطة الإستيطانية على مساحة الارض المحتلة، معتبراً أنّ أيّ تغييرات على حدود لن يعترف بها إلّا بتوافق الطرفين، و مطالباً دول المجلس بالتمييز في معاملاتها بين اقليم دولة اسرائيل والاراضي المحتلة عام 1967.

وقد وافقت 14 دولة على القرار الذي تقدّمت بمشروعه 4 دول هي نيوزلندا، فنلندا، السنغال وماليزيا، واضافة الى الدول الأربعة المشار اليها، والتي قدّمت مشروع القرار وصوّتت الى جانبه، فقد صوّتت الى جانبه ايضاً: البارغواي، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، مصر، أنغولا، أوكرانيا، اليابان واسبانيا وامتنعت الولايات المتحدة.

الخارجية الإسرائيلية استدعت سفراء هذه الدول لتطّلع على أسباب تأييد هذه الدول للقرار، الرئيس ترامب وفريقه يعارضان بشدة أيّ خطوات متعلّقة بالفلسطينيين في الامم المتحدة، حسب ما اوردت تايمز اوف اسرائيل، مصادر إسرائيلية اعتبرت عدم استخدام الولايات المتحدة للفيتو ومجرد امتناعها عن التصويت يشكّل انتهاكاً للوعود الاميركية لإسرائيل.

وغرّد نتنياهو متوسّلاً واشنطن نقض مشروع القرار «المعادي لإسرائيل»، و عقد عشيّة اجتماع مجلس الامن وبدء العدّ العكسي للتصويت اجتماعاً لحكومته المصغّرة موقف كان مطمئِناً، قال: «السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يتحقّق فقط من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وليس من خلال فرض شروط من قبل الامم المتحدة».

وقد بدأت الأنباء بالورود بشكل يوحي أنّها لا تتناقض مع المواقف التقليدية المعروفة، حيث طلب المصريون بدايةً تأجيل التصويت على مشروع قرارهم بحيث اطمأن نتنياهو أنّه لن يكون هناك تصويت اليوم على الأقل، وربما لن يكون هناك تصويت بالمطلق، وكلّ ذلك بفضل اتصالات بعيدة من الاضواء شملت القاهرة وواشنطن ونيويورك.

وكالة رويتزر قالت إنّ القاهرة تراجعت بطلب من اسرائيل. وفِي احتمالية اخرى تحدثت معلومات عن أنّ تصريح ترامب هو الذي دفع القاهرة الى هذا الموقف الهادف لتعزيز العلاقات مع إدارة ترامب.

الرئيس السيسي كان اوّل رئيس يتصل بترامب لهنئته بفوزه بالانتخابات، وربما تخطط القاهرة لكسب مساعدات مالية من واشنطن وعلى عدم إغضاب إدارة ترامب الجديدة، أو ربما يكون نتنياهو هو مَن اتصل بترامب أو نائبه مايك بنس وطلب منهما الضغط على القاهرة لتقوم بسحب اقتراحها.

مصادر مصرية قالت إنّ المشروع قُدم بداية باللون الأزرق للنقاش، وقد ظهرت مؤشرات الى إمكانية استخدام الفيتو عليه، ومصر أساساً لم تكن مع تقديم مشروعها بهذه السرعة لحين إنجاز الاتصالات الضرورية خوفاً من فشل المشروع، ولكنّ الفلسطينيين ضغطوا على مصر بداية لتقديمه.

لم تنفِ المصادر المصرية وقوع اتصالات إسرائيلية واميركية مع القاهرة، لذلك لجأت القاهرة الى مدخل خلفي عبر دول عدم الانحياز سابقاً لتبنّي تقديم المشروع، بعد أن تأكّد لديها أنّ الادارة الاميركية لن تستخدم الفيتو، وأنّ القصد من الفكرة هو الوصول الى استصدار القرار وليس الخسارة، وأنّ مثل هذا الإخراج تمّ في دوائر ضيقة وبعيداً عن الاعين.

وتشير المصادر الى ضرورة تفهّم أنّ مصر كانت الدولة العربية التي اختارها الرئيس ترامب بعد فوزه وأعلن أنّها شريك للولايات المتحده، و بالتالي فإنّ انسحاب القاهرة الى الخلف في مسألة القرار 2334 ليس بالأمر المهم طالما أنّ النتيجه ستتحقق.