IMLebanon

“بدوي غروب”… فضيحة اختلاس أم أزمة مالية وعائلات مشردة؟! (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

ليس مقدراً أن يهنأ للانسان العيش في لبنان. وحوش بأوجه مختلفة تضرب بسمّها عصب حياته. هي وحوش الشركات العقارية التي تفترس مستقبل الشباب وجنى العائلات، وباتت تهدد أمنهم الاجتماعي والعائلي. سرقة وقحة ومفضوحة، مقابل دولة مهترئة عقيمة معوّقة مكانها في مزبلة التاريخ.

“عندما تتصل يردون في المرة الأولى ولاحقاً عندما يتعرفوا على الرقم المتصل، يقفل الخط، أو لا إجابة، أو Block، وشكرا الله أنهم لم ينقروا report spam بحق الشارين. صفاتهم التهرّب، الكذب، الاحتيال المراوغة والمناورة. هم من يتغنون بتاريخهم العريق في مجال العقارات الذي يعود إلى 45 عاماً في التاريخ، هم “بدوي غروب هولدنغ”.

هذا مختصر وأقل بكثير مما قاله عدد كبير من المشترين لموقع IMLebanon كاشفين عن درب جلجلتهم مع شركة “بدوي غروب”، فـ”كفروا”. القصة، لم تعد مخفية، أصبحت مكشوفة للجميع، الشركات العقارية الكبرى تستغل تاريخها واسمها العريق، لتحقيق مكاسب مالية بطريقة غير شرعية على حساب المشترين. انقلاب على اتفاقات أبرمتها مع زبائنها، فلا احترام للعقود، خلل في الاتفاقات، عدم التزام بتسليم الشقق في موعدها، وأحياناً لا منشآت موجودة على الأرض والمشاريع لم تنفذ. كل هذا يعاني منه الكثير ممن ارتبطوا وربطوا مشاريع حياتهم بـ”بدوي غروب” الذي يخلّ بالاتفاقات منذ سنوات ولا مرجعية تحاسب.

شهادات الشارين

ساحل علما 313

انطوان شريم، اشترى في مشروع ساحل علما. وقّع العقد قبل العام 2016 على ان يتم تسليم الشقة له في الـ2016، وهو أمر لم يحصل حتى الآن. دفع مبلغ 25 ألف دولار. وبعد مراجعات عدة، ومحاولة الوصول إلى المالكين لاستيضاحهم بشأن ما يحصل وعجزه عن مقابلتهم، قرر الذهاب إلى القضاء، فما كان من أحد الشركاء والذي يبدو أن إدارة الشركة أوكلت اليه حاليا، جورج بدوي، عندما علم بالأمر أن اتصل بأنطوان وأعطاه موعداً وشرح له أن لا فائدة من الذهاب في أي دعوى قضائية، واعداً إياه بأن العمل في مشروع ساحل علما سيبدأ في كانون الأول 2017. لكن كالعادة، ذهبت الوعود مع الريح ولم يبدأ العمل بالمشروع.

مايكل صافي دفعته الأولى كانت 23 ألف دولار. اشترى أيضا في ساحل علما. 30 أيلول من العام 2014 كان تاريخ توقيع عقد المعاناة مع “بدوي غروب”، على أن يتسلّم شقته منتهية ومفرزة في الـ2017 كحد أقصى. عانى مايكل تجربة مرّة مع جورج بدوي. حاول الوصول اليه كثيراً، راجعهم مرات ومرات. فإذا صودف وردوا على الهاتف فجوابهم بات معروفاً “صاحب الشركة ليس موجوداً، أو مسافرا، او غير متوفر حاليا، وبالتالي وصلت الأمور إلى حائط مسدود. من هنا، قرر مايكل اللجوء إلى القضاء البصيص الأمل الوحيد لحماية حقه وجنى عمره من ان يذهب بين مياه المالديف وهدايا بيروت.

مشروع بلونة 

(ت. د.) ايضا ممن اشتروا لدى “بدوي غروب” في بلونة، استنادا على مبدأ الثقة المتداولة عن الشركة. كما هو متعارف، تقول لـIMLebanon: ” دفعنا دفعة أولى وبدأنا بتقسيط “الكمبيالات” بشكل دفعات شهرية تخطت الـ5000 آلاف دولار لتخفيف قيمة القرض لاحقا، لتصل إلى أكثر من 100 ألف دولار قيمة المبلغ المدفوع، من أصل 156 ألف دولار ثمن الشقة.

لكن الصدمة كانت عندما قرأت Poste على فايسبوك احد المشترين يهاجم فيه شركة “بدوي غروب” على خلفية احتيال وكذب، فاستفسرت منه عن الموضوع فعلمت أنه دفع مبلغا من المال ثمن شقة في أحد مشاريع “بدوي غروب” فلم يتم تسليمه الشقة كما رفضوا رد المال له.

وتروي السيدة د. لـIMLebanon  أنه نتيجة متابعتها للأمور، ومعرفتها بالمشاكل التي تعاني منها شركة “بدوي غروب” وخصوصا مع البنك الدائن، أيcredit bank ، بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفاً، فحاولت الانتقال إلى مشروع آخر، من دون ان توفق. ولا تزال المسألة عالقة من دون أي أفق واضح لها. علما أن هناك الكثير من مشروع بلونة ومشروع مار روكز يعانون الأمرّين نتيجة التعامل مع “بدوي غروب”.

مشروع غزير 1352

شربل منصور، مناضل آخر في معركة تحصيل حقوقه من الشركة العقارية “بدوي غروب”. شربل يشرح لـIMLebanon أنه كغيره من الزبائن الذين وثقوا بهذه الشركة، قرر أن يتقدم بطلب شراء مسكن في إحدى مشاريعها. فاتفق مع المعنيين فيها على الحصول على مسكن له في مشروع كان من المفترض أن يشيّد في جعيتا. تم توقيع العقد مع “بدوي غروب” على أن مدة التسليم لا تتخطى الـ2015. دفع نحو 10 آلف دولار، واستمر بالدفهع بشكل شهري بقيمة 1000 دولار. إلا أن المشروع لم يبدأ والأسباب كانت مختلفة كل مرة، فانتقلت إلى مشروع ساحل علما بعد أن اطلعت منهم على صور تبيّن أن هناك حفريات وأن مشروع ساحل علما انطلق لأفاجئ لاحقاً أن هذه الحفريات قديمة، وان المشروع لم ينطلق، عندها أيضاً طلبت نقل ملفي إلى مشروع آخر، فوصلت إلى مشروع غزير 1352.

مشروع غزير مؤلف من 4 أبنية و29 وحدة سكنية. البناء موجود، لكن من يطلع على المشروع، يرى أن الشقق “عارية” أي غير مكتملة، فلا أبواب، ولا نوافذ، ولا استكمال للقواسم المشتركة من مصاعد، ومواقف، ومياه وغيره… حتى ان غرفة الكهرباء الأساسية للمشروع تم بيعها وتحويلها إلى Cave، واليوم هناك 5 او 6 عائلات تسكن فقط في المشروع ويحصلون على التغذية الكهربائية من “ساعة” المشروع الأساسية، بمعنى آخر البيت الواحد لا يستطيع تشغيل أدواته الكهربائية الموجودة لديه. اليوم، السكان الذين يقطنون المشروع قدموا مبادرة لاكمال الأبنية التي يسكنوها على نفقتهم الخاصة على ان تدفع لاحقا من قبل شركة “بدوي غروب”، لكن الأمور لا تزال على حالها.

السبب الحقيقي للأزمة

وفق معلومات المشترين، فإن المشكلة لها أوجه عدة، بدأت منذ سنوات عندما قررت شقيقة مالكي شركة “بدوي غروب” الانفصال عنهم وتقديمها دعوى قضائية بحقهم بجرم تزوير اسمها وتواقيعها. ووصلت الأمور إلى توقف كل مصرف “Credit Bank” من مدّ الشركة بالأموال اللازمة بعد امتناعها عن دفع اموال كبيرة مستحقة عليها وتراكم الديون بشكل واسع. وتتردد في الآونة الأخيرة معلومات غير رسمية تفيد بأن مصرف لبنان تدخل في الأزمة القائمة بين “بدوي غروب” و”الاعتماد المصرفي” وتم ايجاد تسوية، وقد يكون هناك حل في ظرف عشرة أيام من اليوم.

 

المسار القانوني

لا شك ان الشارين اليوم لدى “بدوي غروب” دخلوا نفقا مظلماً لا أحد يعرف متى يخرجون منه. لهذا السبب، الرأي القانوني مهم جداً في هذه المعركة، من هنا، ينبّه المحامي الدكتور سليمان لبوس عبر IMLebanon إلى ان بائعي الشقق قيد الانشاء يدفعون المشتري الى التوقيع على عقد يتضمن بنداً يقول انه “لا يحق للمشتري تدوين اشارة هذا العقد على الصحيفة العينية للعقار”، بمعنى انهم يمنعونه من وضع اشارة تثبت أنه اشترى لديهم. فيعمدون إلى الاستدانة من المصرف الذي يقوم بوضع اشارة تأمين على العقار تسمى “تأمين درجة أولى”، فاذا لم يدفع البائع الأموال المستحقة للمصرف، يقوم الأخير وفق عقد التأمين بالحجز على العقار وبيعه بالمزاد واستيفاء ثمنه، عندها يخسر المشترين أموالهم. انطلاقا من هنا، المطلوب من كل مشتر ان يصرّ عند أي عملية شراء شقة على وضع اشارة عقده على الصحيفة العينية، وبالتالي لا يجب ان يقبل اي مشتر بشروط البائع.

اشارة إلى أن عقد التأمين “درجة اولى أو ممتاز” الذي يضعه المصرف على البائع الذي يستدين الأموال، يمنع أي احد من أن يشاركه ثمن العقار عند بيعه بالمزاد، وهذا يهدر حقوق المشتري الذي عليه عند شراء اي شقة سكنية لم يتم بناؤها بعد ان يضع اشارة عقد الشراء على الصحيفة العينية.

ويضيف لبّوس: “أمام المشترين لدى أي شركة عقارية عند أي مشكلة، التقدم بدعاوى “متابعة البناء والزام التسجيل” وإلا استطرادا فسخ العقد ورد المبالغ المقبوضة، امام المحكمة الابتدائية الواقع في نطاقها العقار. وعندها تبيع الدولة العقار بالمزاد العلني وترد للمشترين أموالهم.

ويقول: “عند تقديم دعوى الزام التسجيل واستطرادا رد المبالغ يتم وضع اشارة هذه الدعوى على الصحيفة العينية للعقار، فيتم أخذ صورة طبق الأصل عن هذه الدعوى والتوجه الى دائرة التنفيذ الواقعة في نطاق المحكمة الابتدائية، ويُطلب وضع اشارة حجز احتياطي على الصحيفة العينية للعقار الجاري البناء عليه، عندها يحق لهم وضع اشارة على كافة عقارات الشركة التي تبني العقار ولم تنفذ وعودها في اي منطقة في لبنان”.

وفي حال أعلنت الشركة العقارية افلاسها تهرباً من دفع ديونها، قال لبوس: “اذا اعلنت الشركة العقارية افلاسها، تضع المحكمة يدها على الملف وتعيّن ما يسمى بـ”وكيل التفليسة” الذي يتصرف وكأنه هو المالك تحت اشراف المحكمة. فينجز بيان الديون، الذي يظهر الديون المترتبة على الشركة العقارية، ما يحد من قدرة هذه الشركة على التصرف بأملاكها بأي شكل من الأشكال.

ويوضح الدكتور لبوس: “اذا قدمت الشركة طلب اعلان افلاسها امام المحكمة الابتدائية تعيّن المحكمة “وكيل التفليسة” الذي يجري تحقيقا لاثبات ما اذا كان المفلِس اعلن افلاسه احتيالا، او تقصيريا. فاذا صرف أمواله بشكل أضر بالدائنين وتبين ان لديه سوء نية يتحول اعلان الافلاس الى “افلاس احتيالي” ويكون عندها “معلن الافلاس” ارتكب جناية تحتم السجن مدة سبع سنوات وما فوق.

“وكيل التفليسة” اذا يقوم بدرس ملف “معلِن الافلاس” بشكل دقيق باشراف القاضي المشرف على الافلاس، واذا تبين ان الافلاس احتيالي يتم تحويل الملف الى النيابة العامة الاستئنافية فتدعي عليه بجرم الافلاس الاحتيالي ويتحول الى الجنايات ويتم وضعه السجن”.

أما اذا لم يكن الافلاس احتياليا، فيتم جمع قيمة أموال “معلِن الافلاس” ويتم ابطال عقوده المجانية والهبات التي جرت فيما يسمى بـ”الفترة المشبوهة” التي تعود الى 18 شهرا قبل اعلان الافلاس. اما عقود البيع وغيرها فيتم درسها لمعرفة ما اذا كانت تتطلب الابطال ام لا، وينجز بيان توزيع الديون ويتم بيع املاكه في المزاد العلني وتقسّم الأموال على الدائنين.

كيفية توزيع الأموال

يقول لبوس: “اذا كان البنك يضع اشارة “تأمين درجة اولى او دائنين بدين ممتاز”، فيستوفي حقوقه كاملة قبل كل الدائنين، وما تبقى يتم توزيعه وفق القاعدة الثلاثية.

فاذا كان ما تبقى من المال هو عشر المبالغ الدائنة فيعطى كل دائن عشر حقه. مثلا: لو بقي في صندوق “التفليسة” مبلغ 100 الف دولار ومجموع اموال الدائنين مليون دولار فيسترد كل مشتر من دينه فقط 10%. وبالتالي لا يستطيع الشاب الذي اشترى شقة الا استرداد 10% فقط مما دفعه كون الاموال سيزاحمه عليها كافة موردي البضائع للبناء الذي تم انشاؤه، او كان ما يزال في طور الحفر.

وسط ضبابية الرؤية، وتوسع أفق الأزمة، يبقى المواطن دائماً الحلقة الأضعف والطعم الأسهل لحيتان المال وأصحاب الأموال، بسبب غياب المرجعية الأهم التي تحمي حقوق المواطن وهي الدولة. فما يحصل مع “بدوي غروب” اليوم وبالأمس مع “سايفكو” وغدا مع شركات أخرى ومتمولين آخرين، ليس جديداً، لكن لا اجراءات رادعة لهؤلاء ولا محاسبة على أفعالهم، وبالتالي، السؤال البديهي الذي يطرح، من يغطيهم، ومن يحميهم لأرباب الأموال كي يستمروا في سفك روح الفقراء واتعابهم؟  من يحد من الفلتان والتسيّب؟ متى ستصحو هذه الدولة العقيمة ولو مرة لحماية أبنائها؟ اين المحاسبة؟ من يحمي شبابنا وعائلاتنا؟ من يحمي مستقبلنا؟ لماذا هناك دائماً دويلات أكانت عسكرية او أمنية أو مالية أو عقارية ضمن الدولة هي الوصية على أحلامنا؟