IMLebanon

التشاؤم عاد… والميدان هو الكلمة الفصل

بعد أن ارتفع منسوب التفاؤل بنتائج اجتماعات فيينا في شأن الأزمة السورية، واستبشرَ كثيرون بالبيان الصادر عن هذه الاجتماعات، عاد التشاؤم يسيطر على نظرة كثير من المراقبين، خصوصاً بعد صدور إشارات روسية الى عدم جدية الاطراف الغربية التي شاركت في هذه الاجتماعات بالوصول الى آليّة لمكافحة الارهاب.

وقد ظنّ كثيرون انّ الانفجارات الداعشية التي هزّت باريس موقِعة فيها مئات القتلى والجرحى وأعقبَت الانفجارين اللذين ضربا الضاحية الجنوبية لبيروت، قد تساهم في تَحسّس المجتمع الدولي بمخاطر الارهاب الداعشي وان يضع الخطط الفعّالة والكفيلة بمكافحته في بلاد المنشأ أولاً.

لكنّ التطورات اللاحقة أثبتت انّ هذا الافتراض لم يكن في محلّه، وأنّ المعنيّين جميعاً لم يغيّروا حرفاً في مواقفهم الاصلية.

ولعلّ ما زاد من تشاؤم هؤلاء المراقبين كان المعلومات التي نُشِرَت عن تحرّك مئتي مركبة عسكرية من العراق في اتجاه سوريا تواكبها جوّاً مروحية عسكرية أميركية، وقد ظنّ البعض انّ هذه المركبات قد نقلت مقاتلين لـ«داعش» الى سوريا تحت اسم جديد هو «قوات سوريا الديموقراطية»، وقد مكّنوها من الاستيلاء على بعض حقول النفط في منطقة الحسكة، بما يُشير، اذا صحّ هذا الخبر، الى أمرين:

أولاً، انّ قوات التحالف الاميركية قادرة على اقتلاع «داعش» من أيّ منطقة خلال ساعات، وقد فعلت ذلك في منطقة سنجار في محافظة الموصل (نينوى)، علماً انّ مساحة سنجار هي بمقدار مساحة لبنان بأسره، فكيف تمّ اقتلاع «داعش» منها خلال 48 ساعة وأفسح المجال لقوات البشمركة الكردية للسيطرة على تلك المنطقة؟

ثانياً، البروز المفاجئ لـ»قوات سوريا الديموقراطية» التي لم تُعرف حتى الآن هوية مقاتليها؟ وما هي انتماءاتهم؟ ومن أين جاؤوا؟ وكأنّ في الامر لعبة، اذ يكفي أن تغيّر أسماء المجموعات المقاتلة حسب الطلب، فتارة تُطلق عليها إسماً جهادياً متطرفاً، وتارة أخرى إسماً ديموقراطيا «معتدلاً».

ويبدو انّ تشكيك القيادة الايرانية بجدوى اجتماعات فيينا في شأن الازمة السورية كان في نظر هؤلاء المراقبين على مقدار من الدقة، فيما لا ينكر المتابعون للأحداث الجارية إقليمياً ودولياً أنّ في الادارة الاميركية اكثر من رأي تجاه مؤتمر فيينا خصوصاً، وتجاه العلاقة مع روسيا عموماً، في وقت بَدا أنّ التغييرات التي أُجريت في القيادة العسكرية الاميركية قد أبعدت الجنرالات المعروفين بتحفّظهم عن أيّ مغامرة عسكرية اميركية في الخارج، وجاءت بقيادات شابّة قد تكون أكثر تعاطفاً مع رؤية المحافظين الجدد بضرورة اندفاع واشنطن في مغامرات عسكرية ضد خصومها، ولا سيما منهم «الدب الروسي» الذي بدأ يوسّع مناطق نفوذه من جورجيا الى أوكرانيا، وكذلك الى سوريا والعراق.

ويتساءل بعض المراقبين هنا عمّا هي المصلحة الاميركية في إنهاء الحرب الدائرة في سوريا والعراق؟ ألا تُحَقّق هذه الحرب وغيرها من الحروب في المنطقة لواشنطن تدميراً لدولتين محوريّتين مهمتين وفي الوقت نفسه إبادة مجموعات كبيرة من الارهابيين الذين تتحوّل سوريا الى ما يُشبه «المولينكس» لفَرمهم مجموعة تلو الأخرى.

ويبدو انّ الروس قد اقتنعوا بجدوى التشكيك الايراني بجدية موقف واشنطن وحلفائها من الازمة السورية، وقد عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنحو غير مباشر عن هذا الاقتناع حين قال انّ نصف دول مجموعة العشرين التي اجتمعت في انطاليا التركية هي من داعمي الارهاب.

كل هذه التحليلات تشير الى انّه لا بد من العودة الى الميدان مرة أخرى، لأنّ هذا الميدان هو الكلمة الفصل في كل ما يدور سياسياً. ولقد حقّق الجيش السوري وحلفاؤه إنجازات ميدانية مهمة في الايام الاخيرة تؤكد انّ إعطاء الأولوية للميدان هو الاستراتيجية المعتمدة لدى دمشق وحلفائها حتى إشعار آخر.