IMLebanon

الزائر المحتلّ

 

 

ربما ليست مصادفة ان يشرّفنا فلاديمير بوتين بزيارة مفاجئة لدمشق، قبل ان يُدفن أحد أركان قرار السيطرة على سوريا قاسم سليماني في كرمان. هو يذْكر أن الأخير كان موفد خامنئي لاقناع الكرملين بالتدخل العسكري، بعدما أمَّن له الوقود البشري الأرضي من “الحرس” والحلفاء الأقربين. ويدرك حتماً أن المعادلة الروسية – الايرانية فقدت مَن كان رفيقاً في الحفاظ على النظام وتثبيت بشار، وغريماً في تقاسم المصالح والنفوذ.

 

للمراقب أن يستنتج رغبة “القيصر” الروسي في ابلاغ كل المعنيين بأن “الأمر لي”، بعد اغتيال شريك ماهر ومتعب، وبأن طموحه الامبراطوري له مرتكز جدي في الشرق الأوسط، قوامُه إنجازات إستراتيجية حققتها البراميل المتفجرة، و”فيتوات” مجلس الأمن وجملة قواعد عسكرية فرَّخت في أرجاء سوريا، وعقود نفطية، وبأن “سوريا الأسد” التي كانت عقدة المنطقة وواسطة العقد في “الصمود والتصدي” زمن الأسد الأب، وواسطة العقد في “محور الممانعة” في عهد نجله، باتت من “أعمال” الباب العالي الجديد.

 

لا يُلام فلاديمير بوتين. هو رجل “كي. جي. بي” في ثياب رئيس منتخب. وزعيم أكبر “مافيوقراطيا” نشأت على أنقاض الاتحاد السوفياتي. لا شيء بالمجان. هناك ثمنٌ أكيد لإنقاذ نظام كان على قاب قوسين من سقوط مريع. ها هو يتصرّف على هذا الأساس. فعلها سابقاً حين استدعى الرئيس بشار منفرداً الى منتجع سوشي. ثم يوم التقاه في قاعدة حميميم تاركاً حرسه يبعد المُضيف خطوتين خلف الزائر الكبير. وكرّرها امس برمزيةٍ أشدّ ايلاماً، مستقبلاً “الضيف الرئيس” في قاعدة تجميع القوات الروسية في عاصمة الأمويين.

 

بوتين “يُزار ولا يزور” في دمشق. يتفقّد شوارع قليلة حيَّدها طيرانه المجنون من التدمير المنهجي لأطراف العاصمة والمدن الثائرة، ويلتقي أهلها كأيّ ديكتاتور يربّت على رؤوس أطفال ينشدون أغاني التكريم لطلّته.

 

بمقتل شخصية إستثنائية أقلقت الدول ومكوّناتها وتحدّت القوى الغربية في العالم، يعزف بوتين شبه منفردٍ في الملعب السوري. مطلقُ الصلاحية في تركيب الجيش والمؤسسات ورسم الخطوط الحمر مع صديقه بنيامين نتنياهو، وصاحب هيبة تقضم تدريجاً توسع “الحرس الثوري” وأذرعه في رقعة الشطرنج السورية، مثلما تُخضع طموحات الرئيس التركي لاختبارٍ يوميّ عسير.

 

كانت “سوريا الأسد” فبقي الأسد ودُمّرت سوريا. اليوم هي “سوريا بوتين” أرضٌ بنصف شعب لمُحتلّ بلا قلب.