IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم الأحد في 29/09/2019

أحد لم يتبنه أحد، انسحبت منه حركات المجتمع المدني قبل أن يبدأ، فسار المتظاهرون بلا هوية. حضروا ببضع مئات، لكنهم أطلقوا الآف الصرخات. عدد أقل وجع أكثر. وحالات وجدت في الشارع وشاشات التلفزة، منبرا للتعبير عن أمراض معيشية مزمنة.

غاب الأب المؤسس عن تحرك التاسع والعشرين من أيلول، غير أن آلام الناس كانت الأم والأب الشرعيين أيا ركب موجتها: سبعة على ثمانية “أمل” ومحرومون حقيقيون، تيار خرج عكس التيار، حزب بطائفة كريمة حملت ثورة الإمام الحسين شعارا للمظلومين على مر السنين، وتلفظت بإسم الامام اليوم شاهدا على الظلم الاجتماعي.

ومن ارتدى الشارع في هذا الأحد، جاء مغامرا “بلا سند سياسي” ومن علامات قهره: سلطة تجلد مواطنيها، عهد قضى نصف عمره بوعد الإصلاح وجاء في النصف الثاني ليتهم شركاءه بالتآمر عليه، وزراء يندسون في الحكومة ثم يخرجون لتلاوة الشكوى، نواب “ينعون” مثلنا يرفعون الأيدي ثم يقطعون أياديهم ويشحدون عليها، وبفجور منقطع النظير يسألون عن المتسبب بالفساد.

وإذا كانت حركة الشارع اليوم مجرد اختبار، فإن “أحدا” آخر بإمكانه تفعيل النبض والتأسيس لموجة تمسك بالسلطة من رؤوسها وحاشيتها وبطانتها السياسية، فما اشتكى منه المواطنون اليوم، ليس سوى جرعة بسيطة تراكمت بفعل فساد يراعي الأصول السياسية وفروعها، ويساير الميثاقية، ويتوافق مع الطائفية، كلها أمراض عضال تحكمت ببلد لم يعد يجد الدواء، وبات يتعاطى العقاقير المنشطة بالاقتصاد فليجأ إلى مخدرات “سيدر”.

قد يكون من نزل إلى الشارع اليوم: مجهولي باقي الهوية دفعتهم المصيبة إلى صرخة واحدة، لكن السلطة معروفة بالاسم الثلاثي برؤساء ثلاثة: واحد لا يدري، ثان “أرنبجي” على “إطفأجي”، ثالث لا يشتكي إلا عندما تنتزع منه الصلاحيات.

ومع طبقة هرمت في السلطة، يأتيك وزراء ونواب بقوة التدافع والتكاثر والتوارث، يلعبون معنا وعلينا الدور الانقاذي، حل بالبواخر، مالية منهوبة، وعنابر سائبة، اتصالات بالبناء الفاخر، صحة مريضة ودواء مفقود، نزوح بالتربية من الخاص إلى الرسمي، مواد مسرطنة في الزراعة، والدولار سيد العملات الضائع والليرة بألف خير.

لكن المواطنين لم يعودوا بخير، ومن نزل إلى الشارع اليوم، هو عينة عن قهر خرج من قيده، وكان الأجدى برئيس الحكومة سعد الحريري أن يقف مع اللبنانين في يوم حداد على فقدانهم أبسط وسائل العيش، عوضا عن “مسك الواجب” مع آل شيراك في باريس.