IMLebanon

… “منتهية”؟! (بقلم رولا حداد)

استغرب البعض تعلق اللبنانيين بمسلسل “الهيبة” الذي عُرض للسنة الثانية على التوالي ضمن المسلسلات الرمضانية، وتحديداً شخصية “جبل شيخ الجبل” فيه، هذا الخارج عن القوانين والهارب من وجه عدالة الدولة، إنما أيضاً هذا العادل الذي يطبّق قوانينه الخاصة لإحقاق العدالة الشعبية التي يرتاح إليها المواطنون.

تعلق اللبنانيون بمسلسل يحاكي واقعهم حيث الدولة شكلية وعاجزة ومهترئة نتيجة الفساد الذي يتآكلها ويعشعش فيها، كما تعلقوا ببطل وهمي يبحثون عنه يومياً، بطل يحاكي طموحاتهم في مواجهة الظلم والظالمين، وفي كبح المعتدين عليهم وعلى حقوقهم في ظل عجز فاضح للدولة ومؤسساتها الأمنية الشرعية!

ومن المفارقات المضحكة- المبكية أن ينبري بعض المحامين لرفع دعاوى ضد مسلسل “الهيبة” تحت شعار أنه يسيء إلى سمعة منطقة بعلبك- الهرمل، في وقت كانت الاشتباكات الميدانية والتعديات تعصف بالمنطقة وسط عجز رسمي فاضح.

والأسوأ أن هؤلاء المحامين لم يتجرّأوا أن يتقدموا بشكوى واحدة ضد عجز الدولة وأجهزتها وضد التقاعس الرسمي عن حماية المنطقة وأمنها وأمن أبنائها وأرزاقهم!

نعم، وصلنا إلى القعر في السياسة والأمن والمؤسسات إلى درجة أن اللبنانيين باتوا يتعلقون بشخصيات وهمية تشبه “جبل شيخ الجبل”، لأنهم فقدوا ثقتهم بالدولة والشرعية والمؤسسات.

بتنا كلبنانيين نتعلق بوهم “بطل” يستطيع أن يقول “منتهية” أمام كل مشكلة تعترضهم، وتكون له القدرة على تنفيذ كلمته لينهي المشكلة. بتنا نتعلق بوهم “بطل” قادر أن يتحمل مسؤولية كلامه ووعوده، قادر على تنفيذ أي منها، في ظل حجم الإحباط والإخفاقات التي نعيشها، وفي ظل حجم العجز الذي يعلنه المسؤولون في لبنان يومياً.

كم نود أن نحظى بمسؤول يستطيع أن يقول لنا كلبنانيين في مواجهة كل الأزمات: “لا تهكلوا للهمّ… منتهية”!

“منتهية”… على مستوى السلاح غير الشرعي والميليشيات التي تكاد تصبح أقوى من الدولة!

“منتهية”… على مستوى الاقتصاد الوطني والدين العام!

“منتهية”… على مستوى الفساد المستشري والعصابات التي تتحكم بمفاصل الدولة والاقتصاد!

“منتهية”… على مستوى مشاكل الكهرباء والماء والانترنت وأزمة السير والطبابة والاستشفاء والتعليم وكل البنى التحتية والحقوق البديهية للبنانيين!

“منتهية”… على مستوى منع تهريب أسماء مشبوهة في مرسوم تجنيس.

و”منتهية” حتى في حق اللبنانيين في مشاهدة مباريات “المونديال” من دون تحايل ولعب على الكلام وتمنين!

والأسوأ من كل ذلك أننا نعرف أن “جبل شيخ الجبل” هو “مجرم” بالمفهوم القانوني، وهو خارج عن القانون ويسهل تجارة الممنوعات… لكننا بتنا وكأننا نبحث عن “الأفضل بين المجرمين”، أو ربما عن “مجرم عادل”، عن مجرم يملك “حسّاً انسانياً” أو يتفاعل مع القضايا الانسانية، لنسلّمه زمام المسؤوليات وسط شعور عام بأننا نعيش وسط غابة من المجرمين لا رحمة في قلوبهم ولا يملكون الحد الأدنى من الحسّ بالمسؤولية أو حتى الشفقة!

باختصار، إن تعلق اللبنانيين بشخصية “جبل شيخ الجبل” يلخّص بحثهم ولو عن “مجرم مسؤول” وسط طفرة من “المسؤولين المجرمين” في بلد باتت الدولة وحدها فيه… “منتهية”!